هنالك ثوابت في منظومة الحياة البشرية لا يمكن أن تتغير، وهذه الثوابت تعدّ البنى الأساسية للاقتصاد أو السياسة الإسلامية، فلا إشكال أبداً في ت

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

هل يوجد اقتصاد إسلامي وسياسة إسلامية؟

السؤال: هنالك من يقول: بانه لا يوجد اقتصاد إسلامي ولا سياسة إسلامية ولا علم اجتماع أو علم نفس إسلامي ولا طب إسلامي ولا علم منطق أو علم بلاغة إسلامي.. قالوا: ان ذلك كمثل من يقول: ان هنالك علم فيزياء أو كيمياء أو علم هندسة إسلامي! أو شبه ذلك! وهناك من يرى، على العكس، ضرورة ان تعاد كتابة كافة العلوم الإنسانية لتكون علوماً إسلامية! فايهما الصحيح؟ أو هل هنالك رأي ثالث وطريق وسط؟

ضرورة تحديد المعنى المقصود من كون العلم إسلامياً

والجواب: أولاً: لا بد من تحديد المعنى المراد عند وصف موضوعٍ أو علمٍ ما بانه إسلامي أو علماني أو اشتراكي[1]، فهل المراد من كونه إسلامياً بلحاظ العِلّة الفاعلية؟ أو بلحاظ العِلّة الغائية؟ أو بلحاظ ذات الموضوع والمتعلَّق من حيث جوهره أو قيوده وشروطه أو أحكامه؟

كما لا بد من تحديد المراد بالإسلام أيضاً فهل يراد به القرآن الكريم أو الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله) أو الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أو جميع ذلك أو حتى ما يشمل كبار علماء الإسلام كابن عباس وميثم وزرارة وجابر بن حيان الكوفي وهشام بن الحكم، وصولاً إلى مثل الشيخ المفيد والسيدين الرضي والمرتضى والشيخ الطوسي والنجاشي ثم مثل نصير الدين الطوسي والعلامة والمحقق الحليين وهكذا.

المحتملات العشر في معنى السياسة أو الاقتصاد الإسلامي

وبعبارة أخرى: ان المحتملات في المعنى المقصود من وصف علم من العلوم بانه إسلامي أو ليس بإسلامي هي عشرة:

1- ان مخترع هذه العلوم هو الإسلام

المعنى الأول: قد يراد من (ان هذا العلم إسلامي) ان مؤسسه ومخترعه هو الإسلام على لسان النبي (صلى الله عليه وآله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) أو أحد كبار العلماء وانه لم تكن لهذه العلم سابقة، ووجود قبله، كما في علم النحو والتفسير والفقه مثلاً، فإذا كان ذلك هو المقصود فإن من الواضح ان تلك العلوم الآنفة الذكر كانت موجودة ولو بنحو بدائي قبل الإسلام فليس الإسلام مؤسساً لها، كما كان هو المؤسس لعلم التفسير والفقه والأصول والرجال والدراية والنحو وشبه ذلك.

2- الإسلام أثرى هذه العلوم

المعنى الثاني: وقد يراد: ان الإسلام، بعلمائه وقادته ومفكريه، أسهم -على امتداد مئات السنين- في إثراء كل تلك العلوم أو عدد منها بالبحث والتحليل والنقد (سواء أوافق الباحث على بعضها أو جميعها أو خالف) إما بإضافة مسائل جديدة إليها أو إلغاء بعضها أو إضافة قيود أو شروط إليها أو نقد بعضها أو بالتوسعة أو التضييق في بعض موضوعاتها، بنحو الحكومة أو الورود أو التخريج[2] أو غيرها.

فإذا أريد هذا المعنى فرضاً من كونها إسلامية فنقول:

انه لا شك في ان الإسلام، بالمعنى الأعم الشامل لكبار علمائه أسهم إسهامات كبيرة في تطوير كل تلك العلوم وتهذيبها وإضافة مسائل عليها، وذلك مما يتضح بإلقاء ولو نظرة سريعة على أمثال كتاب (تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام) و(الذريعة إلى تصانيف الشيعة) و(الإمام جعفر الصادق كما عرفه علماء الغرب وغيرها).

بل نقول انه يكفي ان يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) أو الإمام علي (عليه السلام) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) قد أسس لبعض القواعد والمسائل في الاقتصاد ليصح وصف ذلك بـ(الاقتصاد الإسلامي)؛ ألا ترى ان الاقتصاديين في العالم يصفون (الاقتصاد المختلط) بـ(الاقتصاد الكينزي) نسبةً لمؤسسه وهو جون مينارد كينز مع انه اقتصر على عدد من الأسس فقط حيث أكد على دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد، واختلف مع اقتصاد السوق الحرّ وارتأى تدخل الدولة في بعض المجالات، فكيف يعترض على تسمية الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد الإسلامي ولا يعترض على تسمية الاقتصاد المختلط بالاقتصاد الكينزي مع ان آراء الإسلام حسب الآيات والروايات وحسب ما استظهره كبار علماء الإسلام من الأدلة، في المسائل الاقتصادية لا تقارن من حيث شموليتها وكثرتها[3] بآراء مينارد كينز في الاقتصاد بل ولا تقارن بالمسائل التي اقتصر عليها الاقتصاد المختلط؟

3- ليس للإسلام رأي في مسائل العلوم الإنسانية

المعنى الثالث: وقد يراد: ان الإسلام لا يوجد له رأي معين في أية مسألة من مسائل هذه العلوم.

4- لا يصح للدين التدخل في مسائل هذه العلوم

المعنى الرابع: وقد يراد: ان الإسلام لا يصح له ان يتدخل في أية مسألة من مسائل هذه العلوم.

اما الاحتمال الأخير فهو غير عقلائي سواء عند المسلم أم غيره، إذ المسلم يرى الإسلام وحياً من عند الله تعالى فكيف لا يجوز لخالق الكون أو لرسوله أن يكون له رأي أو توجيه أو إرشاد في مسألة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حقوقية أو غيرها؟ واما غير المسلم فالعاقل الحكيم منهم يرى المرجعية لأهل الخبرة، فعليه ان يبحث فإن وجد مثلاً الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أو الإمام السجاد (عليه السلام) أو الإمام الصادق (عليه السلام) خبيراً في علم السياسة[4] أو الاقتصاد[5] أو الحقوق[6]، فلا وجه عقلائياً للحكم بانه لا يحق ان يتكلم في هذه العلوم مع كونه أهل خبرة، لمجرد انه يدين بدين الإسلام؛ وإلا لوجب ان نمنع كافة الخبراء إذا كانوا مسيحيين أو يهوداً أو بوذيين أو حتى علمانيين من إبداء وجهة نظرهم في العلوم التي تخصصوا بها.

وان كان المراد الرأي السابق عليه (انه لا يوجد رأي للإسلام...) فالإنصاف يقتضي دراسة الأدلة وتتبع الآيات والروايات لنجد هل حددت موقفاً من هذه المسألة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو لا؟ وليس من الموضوعية العلمية النفي المطلق بدون تحقيق..

وسيأتي ان التحقيق يكشف لنا ان الأدلة تطرقت للكثير من المسائل في مختلف العلوم الإنسانية، نعم بعضها بالنص الصريح وبعضها بالظواهر التي يعدها العقلاء حجة في كافة العلوم، نعم تبقى هنالك مسائل خلافية إذ يختلف فيها اجتهاد الفقهاء إذ قد يرى هذا الفقيه ان دلالة النص على هذا المعنى والحكم والرأي في هذه القضية والمسألة، تاماً ويراه آخر غير تام، وذلك لا يُنقص من شأن تلك الظواهر والأدلة ولا من شأن عملية استنباط الفقهاء إذ يوجد مثل ذلك الاختلاف بين العلماء في كافة العلوم الإنسانية بل حتى علماء القانون فانهم قد يختلفون في تفسير نص قانوني معين.

5- ليس هناك منهج متكامل إسلامي في هذه العلوم

المعنى الخامس: وقد يراد: انه ليس هنالك – بأيدينا – منهج متكامل اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي إسلامي، نظراً لضياع الكثير من الروايات، وانه قد انسد الباب على استخراج أحكام سائر المسائل، وهنا نقول: ان عدم استيعاب الفقهاء لكافة مسائل علم الاقتصاد أو السياسة مثلاً لا يلغي أهمية المسائل التي استنبطوها من الكتاب والسنة أبداً، كما ان الباب للاستنباط من الكليات والضوابط العامة مفتوحة على ما فصّل الأعلام بحثه عند نقد نظرية الانسداد التي ذكرها المحقق صاحب القوانين، فراجع كتاب (فرائد الأصول) المعروف بـ(الرسائل) وغيرها.

وذلك مثل قاعدة (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم) التي تعد من أهم الأسس والمباني في علم السياسة والحقوق.

6- ليس هناك منهج قطعي إسلامي

المعنى السادس: وقد يراد: بانه لا يوجد منهج اقتصادي إسلامي قطعي في كل مسائله، بل الأمر يعتمد على اجتهاد المجتهدين ولذلك نرى اختلاف الفقهاء في الكثير من المسائل.

فإن أريد ذلك فنقول:

أولاً: هناك في العديد من المسائل الاقتصادية والحقوقية والقانونية وغيرها نصوص صريحة كما سيأتي التمثيل له.

ثانياً: ان الكثير جداً من المسائل توجد عليها ظواهر الأدلة، وبناء العقلاء على حجية الظواهر وانها تتعايش مع احتمال الخلاف ولا يضر بعقلانيتها وحجيتها ذلك بل تلك سيرتهم في كافة أمور الحياة.

ثالثاً: ان الخلاف يُغني ويُثري العلم ولا يُضعفه، فكما ان علماء الاقتصاد مختلفون في الكثير جداً من المسائل ولا يسقط اختلافُهم علمَ الاقتصاد عن الأهمية وعن المرجعية، كما لا يسقط اختلافهم حجية الرأي للمجتهد الذي اقتنع به عن اجتهاد ولمقلده الذي أحرز خبرويته ووثاقته، كما هو شأن العقلاء في التعامل مع الخبراء في كافة الحقوق التخصصية، كذلك اختلاف العلماء في الاقتصاد الإسلامي مثلاً لا يسقط علم الاقتصاد الإسلامي عن الأهمية وعن المرجعية نعم كل فرد وما اجتهد فيه أو قلَّد.

7- العلوم الإنسانية الإسلامية متخلّفة عن غيرها

المعنى السابع: وقد يراد: ان السياسة الإسلامية أو الاقتصاد الإسلامي، متخلف عن غيره وان الاقتصاد الرأسمالي أو الاشتراكي أو الكينزي أو غيرها أكثر تطوراً من الاقتصاد الإسلامي وان هذا الأخير بدائي.

والجواب ان المرجع في ذلك حتى لغير المسلم هو علم الاقتصاد المقارن[7]، ولا ينفي ذلك، حتى لدى المقتنع به، وجود اقتصاد إسلامي فعليه ان يتدبر بموضوعية في الكتب المقارنة.

8- العلوم الإنسانية من المتغيرات فكيف تحكمها الثوابت؟

المعنى الثامن: وقد يراد: انه لا يمكن ان يكون للإسلام اقتصاد أو سياسة، أو غيرهما من العلوم الإنسانية؛ لأنها من دائرة المتغيرات بتغير الظروف والأزمان، فلا يعقل ان يكون للإسلام حكم أو رأي فيها وإلا للزم تحكيم الثابت على المتغيّر، أو تغيّر الاقتصاد الإسلامي بتغير الأزمان فلم يكن اقتصاداً إسلامياً!

الثوابت في منظومة السياسة والاقتصاد

والجواب: أولاً: هنالك ثوابت في منظومة الحياة البشرية لا يمكن أن تتغير، وهذه الثوابت تعدّ البنى الأساسية للاقتصاد أو السياسة الإسلامية، فلا إشكال أبداً في تسمية الاقتصاد أو السياسة بالإسلامية بلحاظ هذه الثوابت الكلية:

مثلاً قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[8] تعد من الثوابت في السياسة الإسلامية.

كما ان من الثوابت فيها الوفاء بالعهود والمواثيق الدولية والمجتمعية والفردية، فإنها من أهم معالم السياسة الإسلامية قال تعالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ)[9] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ شَيْ‏ءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ)[10].

ومن الثوابت أيضاً قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[11] و(وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[12] فإنها قاعدة عامة عابرة للأزمان والأماكن، تقابل الاستبداد الذي ورد فيه (مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ)[13].

ومن الثوابت: قاعدتا الإمضاء والإلزام قال (صلى الله عليه وآله): (يَجُوزُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ ذِي دِينٍ بِمَا يَسْتَحِلُّونَ)[14] و(أَلْزِمُوهُمْ بِمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمْ)[15] واللتان تنظمان العلاقة مع الأديان والمذاهب الأخرى وتسمحان لهم بالعمل على طبق دينهم ومذهبهم وقد فصلنا الكلام عن القاعدتين في كتاب (الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي) وبسطنا القول فيها بشكل معمق في (قاعدة الإلزام).

ومن الثوابت في الاقتصاد الإسلامي: قوله تعالى: (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[16] فانها – وكما سبق - قاعدة كلية اقتصادية تقابل قاعدة ملكية الدولة المطلقة لكل ما ينتجه الفرد (إلا بقدر حاجته) كما تقابل الحرية المطلقة الرأسمالية، في بعض صيغها، بان لك جهدك ولك أموالك من أي مصدر حصلت عليها.

ومن الثوابت: وجوب الوفاء بالعقود قال تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[17].

كما ان من الثوابت في الاقتصاد الإسلامي: تحريم الرشوة مطلقاً للقاضي وغيره، وتحريم مصادرة الأموال مطلقاً، وتحريم الاختلاس والسرقات الصريحة والمقنعة مطلقاً.

للمتغيرات جهة جامعة مشتركة ثابتة

ثانياً: المتغيرات، لها جهة جامعة مشتركة، فهي ثابتة في تغيرها، ولذلك كانت أحكام المتغيرات ثابتة إذا تعلقت بالجهات المشتركة فيها.

فمثلاً: لا شك في ان الأسعار متغيرة، لكنها تخضع، رغم تغير الأزمنة والأمكنة إلى قاعدة عامة هي قانون (العرض والطلب).

وقد قرر الإسلام قواعد عامة تتعلق بالمشتركات بين المتغيرات والثوابت الجامعة بينها.

مثلاً: (حرّم الكنز) و(حرّم الاحتكار) والكنز والاحتكار عنوان جامع يشمل المتغيرات وإن كانت بالمئات، ومن الواضح ان الكنز والاحتكار هو الذي يخل بتوازن العرض والطلب، فتحريم الكنز والاحتكار من معالم الاقتصاد الإسلامي، لكن ما هو مصداق الاحتكار ومتى يتحقق؟ فذلك هو المتروك لأهل الخبرة.

المتغيرات ترجع إلى قواعد كلية متغيرة

ثالثاً: ان الإسلام أوكل المتغيرات في أبعادها المتغيرة إلى قواعد كلية متغيرة هي الأخرى، وهذا سرّ خلود الإسلام وهو مرونته وقدرته على هندسة الثوابت والمتغيرات جميعاً، والحاصل: انه قرر قواعد ثابتة للثابتات وقواعد متغيرة للمتغيرات:

فمن القواعد الثابتة: (الناس مسلطون على أنفسهم وأموالهم وحقوقهم) وكافة العناوين الأولية.

ومن القواعد المتغيرة (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار)[18] وكافة العناوين الثانوية، فان الله يرفع بهذا الحديث الحكم الثابت إذا صار ضررياً، والضرّر متحرك متغيّر متحوّل ويختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأوضاع.

ولنضرب لذلك أمثلة من الفقه الفردي ثم من الفقه الاجتماعي وفقه الحكم والحكومة في الإسلام فمثلاً: (الصوم واجب على كل بالغ عاقل) فهذا حكم عام ثابت، ولكن استثني منه ما لو كان الصوم ضررياً، والضرر متغير فقد يكون الصوم ضررياً على شخص في الصيف دون الشتاء أو العكس أو يكون ضررياً عليه اليوم، لمرضه، دون غد فيدور الحكم مدار الضرر، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فانهما واجبان بل هما من فروع الدين، لكن (الضرر) يرفع وجوبهما، حسب ما فصل في الفقه وعلى حسب درجات الضرر ودرجات أهمية الأمر والنهي.

معادلة الثابت – المتغير وموقع أهل الخبرة

وههنا تبرز بالضبط معادلة الثابت – المتغير، ويتحدد موقع الشريعة من أهل الخبرة والاختصاص، فالحكم الثابت يؤخذ من الشارع والحكم المتغير بتغيّر القيود وشبهها[19] يؤخذ أيضاً من الشارع كما ان الموضوع المتغير يؤخذ من أهل الخبرة، فان مثل هل الصوم مضرّ لهذا الشخص أم لا يؤخذ من أهل الخبرة، وكذلك هل إذا نهى هذا الشخص الحكومةَ عن المنكر، فسجنوه شهراً، ضرر كبير لا يتناسب مع حجم المنكر أو لا؟ فهذا هو الذي يرجع فيه إلى أهل الخبرة إذ يوازنون بين أهمية المعروف وخطورة المنكر وبين حجم الضرر الموجه للشخص.

ومن ذلك الأمر في الشؤون العامة، فمثلاً الأصل في الشريعة هو (السلم) قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً) [ [20 [21] و(وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)[22] ولكن هل تلك الدولة المجاورة جنحت للسلم حقيقة أو ما هو إلا مكر وحيلة لمباغتة المسلمين؟ فهذا هو المتحول الذي احالته الشريعة إلى أهل الاختصاص والخبرة.

وكذلك من الثابتات في الشريعة: وجوب الصناعات الكفائية، فالواجب على المجتمع ان ينهض بالطب والاقتصاد والزراعة والصناعة وغير ذلك، فهذه هي الثوابت ثم بعدها تبدأ مرحلة المتغيرات: كم طبيباً نحتاج؟ وأية صناعة يجب ان نوليها الأهمية والأولوية؟ وهل الأولى التركيز على الزراعة والمنتوجات الزراعية؟ أو على الصناعة؟ أو على الاستثمار؟ فذلك من المتغيرات التي أوكلت إلى أهل الخبرة، إلى غير ذلك.

ومن ما مضى ظهر ان (الحكم) في الشريعة لا يتغير بل الموضوع هو الذي يتغير فإذا تغير تغير حكمه، وفي الحقيقة فان الأحكام، سواء أكانت بنحو العناوين الأولية أم الثانوية، ثابتة دائماً مع كونها مرنة مرونة مذهلة، وكيفية الجمع بين الأمرين تتضح بالمثال الآتي:

فان الصوم واقع على قسمين: صوم غير ضرري وهو واجب أبداً لمن تحققت فيه الشرائط كالبلوغ والعقل، وصوم ضرري وهو حرام أبداً، فما توهمه البعض من ان الأحكام ثابتة ومتغيرة والثابتة هي الأحكام الأولية والمتغيرة هي الأحكام الثانوية، غير دقيق لأن موضوع الحكم الأولي كلما تحقق تحقق الحكم الأولي وكذا موضوع الحكم الثانوي فانه كلما تحقق تحقق الحكم الثانوي.

نعم قد يقال الأحكام المتغيرة هي الأحكام في القضايا الخارجية دون الأحكام في القضايا الحقيقية لكنها أيضاً لدى الدقة ليست متغيرة إلا بتغير الموضوع أي: ان الموضوع إذا كان بهذا القيد فحكمه الوجوب أو بقيد مضاد فحكمه الحرمة.

نعم لا بأس بالمسامحة في التعبير بان يعبّر عن الأحكام الثانوية بالمتغيرة نظراً لتغيرها بتغير الموضوع.

9- العلوم الإنسانية، أمرها موكول للخبراء

المعنى التاسع: وقد يراد ان الاقتصاد والسياسة والحقوق والإدارة وغيرها، مما لا تحتاج إلى تدخل من الشريعة، أو فقل: ان الله تعالى أوكل أمورها إلى الخبراء بها، ومع وجودهم ما الحاجة لكي يتدخل الإله؟

الإسلام يعاضد المستقلات العقلية

والجواب: ان القضايا السياسية والاقتصادية وغيرها بعضها داخل في دائرة الفطريات أو المستقلات العقلية وبعضها ليس كذلك.

فالقسم الأول: مثل ملكية المباحات بالحيازة أو الإحياء، كما لو اصطاد سمكة أو اقتطف من الغابة ثمرة، فان الفطرة تنادي بانه يملكها (أو على الأقل له حق الاختصاص) وكذلك (حُسن العدل وقُبح الظلم) سواء في الشؤون الفردية أم الاجتماعية أم السياسية والحكومية فإنها من المستقلات العقلية.

وهنا فان ورود النصوص من الشارع الأقدس بالتأكيد على تلك الفطريات والمستقلات، هو أمر محبذ حَسَن مطلوب؛ وذلك لأن كثيراً من الناس ينبعث عن نصوص القرآن الكريم (أو الإنجيل أو التوراة أو غيرها لدى الأديان الأخرى) بشكل أقوى مما ينبعث عما لم يرد فيه نص، والملاحِظ للمجتمعات البشرية يجد ان الملايين من الناس، بل مئات الملايين، هم كذلك، فلماذا يبخل الشارع علينا بالنصوص المعاضدة لحكم[23] العقل والفطرة بل الحكمة تقتضي ذلك بالتأكيد، هذا إضافة إلى ان كثيراً من المسلمين (أو غيرهم) لو استدللت عليه بالفطرة أو العقل لأنكر وجود حكم لها في تلك الدوائر فههنا يظهر وجه آخر للحاجة إلى نصوص تبعث الطمأنينة فيهم.

فمثلاً قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ)[24] أمر صريح بوجوب العدل وحرمة البغي، فهل يمكن لمسلم أن يشكك بعد ذلك في ذلك.

وقوله تعالى: (خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[25] و(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَ لِمَنْ عَمَرَهَا)[26] و(مَنْ غَرَسَ شَجَراً أَوْ حَفَرَ وَادِياً بَدْءاً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَ أَحْيَا أَرْضاً مَيْتَةً فَهِيَ لَه‏)[27] ومع ذلك لا يبقى مجال للتشكيك في الملكية الفردية للأراضي وغيرها؛ إلا الشاذ النادر، كما نشاهد ذلك خارجاً أيضاً.

وغير المستقلات العقلية، أكثر حاجة للإسناد

واما القسم الثاني: وهو غير المستقلات العقلية وغير الفطريات فهنا يكون النص الشرعي أكثر من ضرورة لتسديد البشر (وهذا طبعاً فيمن يعتقد بالقرآن الكريم والأحاديث المعتبرة أو من يعتقد بسائر الأديان).

فمثلاً: هل الأفضل ان يحكم الناسَ حاكمٌ حكيم عادل وإن كان قد جاء إلى الحكم بالوراثة أو الانقلاب العسكري لكنه يحكم بعدلٍ وحِكمة فرضاً؟ أو الأفضل ان يحكم الناسَ حاكمٌ بالانتخاب وإن لم يكن الأفضل الأعلم أو حتى إن كان عاديّاً[28].

فقد يقال بان ذلك ليس من المستقلات العقلية ولا من الفطرية، فإذا كان الله تعالى يرى بعلمه المحيط ان الأفضل – من حيث المجموع - هو الشورى والانتخاب أفليس من الأفضل ان يصرح بذلك، وذلك هو ما نستظهره استناداً إلى قوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[29] و(إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)[30] ومن قاعدة (الناس مسلطون) وكون سلطة غيرهم عليهم خلاف الأصل الأولي المستفاد أيضاً من الآيات والروايات، كما فصلنا الكلام عن ذلك في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية).

10- الحكومات تتخذ ذلك ذريعة لإحكام السيطرة على الجامعات

المعنى العاشر: انه قد يراد ان الحكومات، خاصة الحكومات الإسلامية، تتخذ من فتح هذا الباب، باب ان السياسة إسلامية أو يجب ان تكون إسلامية وكذا الاقتصاد وسائر العلوم الإنسانية، ذريعة لخنق الأصوات المعارضة ولإحكام القبضة على الجامعات وعلى هذه العلوم، وذلك لأن من طبيعة السلطة هي انها تميل للمزيد من المركزية فلا يكفيها إحكام القبضة على الوزارات والوزراء والقضاء والجيش وشبه ذلك، بل تطمع في السيطرة حتى على العلوم والعلماء أيضاً! وعليه:

أ- الفرق بين صحة النظرية وبين سوء التطبيق

والجواب: أولاً: يجب التفريق بين صحة النظرية وسلامتها وبين سوء التطبيق وأخطائه، فان النظرية إذا كانت صحيحة لا يجب رفع اليد عنها استناداً إلى ان هذا الحاكم أو الرئيس أو الوزير طبقها بشكل مغرض أو خاطئ.

فمثلاً نظرية الشورى والانتخابات صحيحة نظرياً لكن هل يصح ان نرفضها، على الصعيد النظري، لأن الحكومات تقوم بتزوير نتائج الانتخابات؟ أو نرفض أصل فكرة مجالس الشورى والبرلمان لأن الحكومات، تسيطر عليها بطريقة أو أخرى؟

ان العقلائي هو التأكيد على النظرية الصحيحة، وإلا كان بديلها التأسيس للنظرية الخاطئة وإقناع الناس بها، والسعي في الوقت نفسه لتوفير ضمانات كي يكون التطبيق سليماً، وربما احتاج ذلك إلى عشرات السنين من الجهود والتخطيط وإلى تأسيس العشرات من منظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات وجماعات الضغط التي تجعل همها الأول ذلك.

ومن الواضح ان ذلك الهدف: (صحة النظرية وسلامة التطبيق) يستحق كل العناء وكل التضحيات مهما تطاولت المدة، وأكبر شاهد على ذلك ما بذله حكماء الغرب وعلمائهم وشعوبهم من الجهود في القرون الوسطى – التي استمرت مئات السنين – حتى وصلوا إلى وضعهم وتطورهم وديمقراطيتهم الحالية[31].

ب- للحكومة الحق في المساهمة العلمية لا الهيمنة

ثانياً: ان المنطق الصحيح يقود إلى ان الحكومة ليست إلا كسائر قوى المجتمع فلها ان تسهم في إثراء العلوم وتطويرها بقدر ما تملك من علم وعلماء، لا بالضغط والإكراه والقسر ولو الاجوائي، ولا يصح ان تُمنع الحكومات من ان تسهم في تطوير العلوم، بل ان من واجبها ذلك، كما نشاهده في الميزانية الضخمة التي ترصدها الدول لتطوير العلوم، كما لا يجوز من جهة أخرى ان تفرض الحكومة هيمنتها على هذه العلوم وتفرض قراءتها وتمنع سائر القراءات.

وعليه: فإذا فرضنا ان هناك اقتصاداً إسلامياً واقعاً وسياسة إسلامية وغيرها، كما ذكرناه سابقاً، فالإنصاف والعدل يقتضي ان نسمح لكافة العلماء سواء أكانوا مع الدولة أو ضدها أو بالحياد، من الذين يؤمنون بوجود اقتصاد أو سياسة إسلامية.. الخ ان يُدلوا بآرائهم ويثروا البحث العلمي في ذلك وان نسمح لهم جميعاً ان ينظِّروا ويكتبوا ويدرِّسوا وغير ذلك، فإن باب الاجتهاد في الإسلام مفتوح.

وعليه: يكون لمن يرى – فرضاً – ان الأصل في الإسلام الاستبداد – بمختلف ألوانه فعند السنة: الولاية للسلطان ولو كان جائراً وعند بعض علماء الشيعة – وهم الأقل – الولاية للفقيه بشرط كونه عادلاً – ان يأتي بأدلته وشواهده، ويكون لمن يرى أن الأصل في الإسلام الحرية والشورية والتعددية ان يأتي بأدلته كما يكون لمن يرى ان الإسلام ترك الخوض في ذلك وأوكله لأهل الخبرة فقط أن يأتي بأدلته على شرط ان يكون الكل أحراراً في التنظير والتأليف والتدريس وشبه ذلك.

والحاصل: كما ان الدول المتطورة تسمح للمفكرين السياسيين أو الاقتصاديين بان يكتب كل منهم حسبما يعتقد (من الرأسمالية أو الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرها) كذلك فإن اللازم انطلاقاً من مبدأ فتح باب الاجتهاد ان تسمح الدولة للكل بالتنظير حسب اجتهادهم وتكون الخيارات متاحة في الجامعات وغيرها للجميع، وكلٌّ وما اختار.

ولتقريب الفكرة للذهن نمثّل بالرسائل العلمية للمراجع حيث انهم قد يتناقضون في آرائهم في مسائل كثيرة جداً ولكن ومع ذلك فان الكل حرٌّ في إتباع من شاء من المراجع الكرام.

وعوداً على أصل السؤال وهو: هل هناك سياسة إسلامية واقتصاد إسلامي مثلاً؟

الجواب: الاستقراء المنطقي هو الحَكَم وهو الحجة وسنقوم في هذا المقال الموجز بالإشارة إلى بعض المسائل الاقتصادية والسياسية والحقوقية التي تطرقت لها الآيات والروايات وحَكَمت فيها بنص أو ظاهر.

وربما نستمر لاحقاً في إكمال البحث إذا شاء الله تعالى.

من مباني وأسس ومسائل الاقتصاد الإسلامي

ثانياً: نستعرض ههنا نماذج سريعة من المسائل الاقتصادية الإسلامية:

قال تعالى: (فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)[32] وهو يفيد بوضوح المسلك الوسط بين الرأسمالية والشيوعية؛ إذ يصرح بان لكم رؤوس أموالكم عكس الشيوعية التي ترى إلغاء الملكية الفردية ويصرح بالموازنة الدقيقة فـ(لاَ تَظْلِمُونَ) بالاحتكار والرشوة[33] والاختلاس والغش وغيرها و(لاَ تُظْلَمُونَ) باعطائكم أقل من حقكم.

وقال تعالى: (خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)[34] الذي يفيد ملكية الإنسان لما في الأرض أو على الأقل حقه في أن يملك.

وفي الحديث: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا)[35] وهو مبدأ اقتصادي هام في ملكية الأراضي واستصلاحها. و(من حاز ملك)

وقد حرّم الإسلام الربا، وهو مسألة اقتصادية، كما حرّم الكالي بالكالي وهو مسألة اقتصادية، وحبّذ الإقراض بلا فائدة وهو مسألة اقتصادية، ودعى إلى المضاربة والمزارعة والمساقاة ووضع لها ضوابط وهي مسائل اقتصادية، كما وضع ضوابط كثيرة للإجارة والرهن والصلح والبيع والشراء وغيرها وهي مسائل اقتصادية.

كما حرّم الإسلام الاحتكار وهو مسألة اقتصادية، كما ردع عن (الكنز) وهو مسألة اقتصادية. وقد فصلنا في بعض البحوث وجه تحريم الكنز وأهمية سرعة دوران النقد.

كما فرض الخمس والزكاة والجزية والخراج وهي نظام ضريبي اقتصادي متكامل بديلاً عن الضرائب والمكوس التي حرمها الله تعالى وهي مسائل اقتصادية أيضاً.

كما وردت مئات الروايات في استحباب التجارة والزراعة والصناعة وتربية الدواجن والماشية وغيرها، كما حكم بوجوبها وجوباً كفائياً. بل ورد في العشرات بل المئات من الروايات توجيهات وإرشادات لكيفية التجارة والزراعة وغيرها وضمانات ازدهارها أو فشلها والخسارة فيها.[36]

كما وضع ضوابط سهلة للتجارة والاستثمار وأفسح المجال أمامها بشكل واسع جداً وقد ورد مثلاً (دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ)[37] وهي معادلة اقتصادية هامة جداً.

ووضع خططاً عديدة للقضاء على البطالة، والفقر، والتضخم، وللضمان الاجتماعي وكلها مسائل اقتصادية.

كما حرم التزوير في النقود بل أوجب كسر الدراهم المزيفة، وهي مسألة اقتصادية[38].

وقد فصّلنا بعض الكلام عن المنهج الإسلامي في الاقتصاد (كمذهب وكعلم أيضاً) في كتاب (استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)).

والحاصل: انه لا شك ان للإسلام (مذهباً اقتصادياً) والمذهب الاقتصادي هو الذي يسميه بعض الاقتصاديين بـ(النظام الاقتصادي) متميزاً عن سائر المذاهب الاقتصادية على مر التاريخ، سواء أوافقه الشخص أم خالفه.

بين علم الاقتصاد والمذهب الاقتصادي

واما (علم الاقتصاد) فهو الذي ينبغي ان يقع فيه الكلام وان يقوم ثلة من العلماء والاخصائيين بدراسة المئات من الروايات التي يستفاد منها بشكل مباشر أو غير مباشر مفردات قديمة أو مستجدة في علم الاقتصاد فمثلاً هل وضع الإسلام حلولاً علمية لمشكلة التضخم والغلاء؟ ولمشكلة البطالة؟ ولطرق السيطرة على تقلبات أسعار الصرف وانخفاض وارتفاع العملة؟ ولطرق زيادة الإنتاج (إنتاج الثروة والسلع والخدمات) وطرق تحسين عملية التوزيع والاستهلاك. ثم إذا كان قد وضع لها الحلول فهل هي حلول ارشادية أو هي حلول شرعية أي مولوية كأحكام شرعية؟ وهل كانت بالعناوين الأولية أو الثانوية أو المزيج منهما؟.

وقد تطرقنا للعديد من نماذج هذا النوع من مسائل علم الاقتصاد في كتاب (استراتيجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام))

و(المذهب الاقتصادي) والذي يسميه البعض النظام الاقتصادي يتطرق للمبادئ العامة والخلفيات الاعتقادية والأطر والأسس وما يحرم (الممنوعات) وما يجب (الإلزاميات)، وذلك

أ- كمبدأ (الملكية) الفردية الخاصة لجميع وسائل الإنتاج على عكس مبدأ الملكية الجماعية العامة، ومبدأ صحة تملك الأراضي بالإحياء.

ب- ومبدأ (الحرية): حرية الاستثمار والاستيراد والتصدير ووجوب حيادية الدولة في العملية الاقتصادية وفي الدورات الاقتصادية أو على العكس وجوب تدخلها.

ج- وكمبدأ (العدالة) التي اقتضت تحريم الكنز والاحتكار والربا وغير ذلك، وبعبارة أخرى يتطرق المذهب الاقتصادي للقضايا الحقيقية (بوجهٍ).

واما (علم الاقتصاد) فيتطرق إلى (الإنتاج) للسلع والخدمات والثروة، والقوانين التي تحكمه أي تحكم زيادة الإنتاج وتنميته وتؤدي إليه و(التوزيع) وآلياته و(الاستهلاك) وأنواعه ونتائجه، وبعبارة أخرى انه يتطرق للقضايا الخارجية، مثلاً: ما هي علل التضخم؟ وأسباب البطالة؟ وطرق القضاء عليها، وكيفية الموازنة بين العرض والطلب، وغير ذلك.

وقد يقال بان (المذهب الاقتصادي الإسلامي) هو المتكفل بحل كافة هذه المعضلات التي يدرسها علم الاقتصاد، فمثلاً الإسلام يقرر بان (الْأَرْضَ لِلَّهِ وَلِمَنْ عَمَرَهَا) وبان الناس أحرار في بناء أو زراعة أو تشييد ما شاءوا بدون حاجة إلى إذن من الدولة فلا رسوم ولا بيروقراطية ولا أشباه ذلك.

ومن الواضح ان الدول في العالم تعمل على عكس ذلك إذ ترى ان الارض للدولة أو على الأقل ترى ان الناس بحاجة إلى استئذان الدولة إذا ارادوا استثمار الأراضي الموات سواء بتشييد المعامل والمصانع أم بزراعة الأرض أم ببناء البيوت والمدن وغير ذلك.

كما يقرر عدم جواز أخذ الضرائب على البناء ولا على الإنتاج ولا على غير ذلك بمتواتر الروايات المحرمة للمكوس (وهي الضرائب) والعشور (وهي الكمارك)، وسواء أوافق الطرف الآخر على ذلك أم لا، فانه لا ينفي ان هذا منهج اقتصادي إسلامي لا شك فيه.

وتبعاً لإطلاق حريات الناس في البناء والزراعة والرعي وتشييد المعامل وغير ذلك، فان نسبة البطالة ستنخفض بشكل كبير جداً، كما ان التضخم سيسطر عليه بشكل كبير إذ ثبت علمياً ان 40 إلى 70% (في بعض الدول وحسب اختلاف المناطق) من تكاليف العوائل شهرياً، تشكله تكلفة الإيجار[39]، فإذا كانت الأرض مجانية ولم تكن رسوم أبداً على بنائها ولا ضرائب بعدها عليها فان غالب الناس سيكونون ملاكاً لبيوت، ولو كانت بسيطة، في فترة زمنية قصيرة.

وحيث كانت الأراضي الموات مجانية، فتنخفض اسعار الأراضي في المدن أيضاً إذ مع كثرة العرض تنخفض الاسعار، وكذلك إذا كانت مواد البناء المأخوذة من الطبيعة كالأحجار والأشجار مجانية (إذ تُملك بالحيازة من الغابات أو الجبال أو التلال أو شبهها) انخفضت اسعارها أيضاً، فتتم السيطرة على التضخم إلى درجة كبيرة.

كما ان تربية الدواجن ورعي الماشية وزراعة أصناف الأشجار، لو كانت بدون ضرائب ورسوم، فان المنتوجات والمحاصيل الغذائية ستتوفر بكثرة وتنخفض اسعارها بسعر كبير.. وهكذا وهلم جرا.

بقي ان نشير إلى: ان البعض قد يتوهم ان الاقتصاد الإسلامي هو الاقتصاد الرأسمالي واقتصاد السوق الحرة المعتمدة على ان السوق تصحح نفسها بنفسها.. إلى غير ذلك، لكنه توهم غير صحيح إذ يمتاز الاقتصاد الإسلامي على الرأسمالي بالضوابط الإنسانية الجوهرية التي وضعها على رأس المال من جهة وبالإنسانية والحريات التي أطلقها في بعض المجالات الحيوية الأخرى مما يتفوق به على الاقتصاد الرأسمالي من جهة ثانية:

فمن القيود: تحريم الربا وتحريم الكالي بالكالي وغير ذلك.

ومن الحريات: حرية تملك كل فرد الأراضي الموات بدون حاجة إلى إذن من الحكومة، إذ ان الاقتصاد الإسلامي لا يرى ملكية الدولة للأراضي بل ولا يرى حتى الحاجة إلى أخذ ترخيص من الحكومة بما يستبطن من روتين وبيروقراطية وغير ذلك.

كما ان الإسلام لا يرى الضريبة على الإرث بينما يقرها الاقتصاد الرأسمالي.

والضريبة في الإسلام هي20% فقط وهي الخمس على من زادت أمواله عن مؤونته ونفقات معيشته آخر السنة، والزكاة على أصناف خاصة بشروط خاصة وهي تبلغ اثنين ونصف بالمائة في بعض الحالات فقط، اما الضرائب في الاقتصاد الرأسمالي فلا تتقيد بذلك بل قد تصل إلى 30% أو 40% أو أكثر في بعض الدول وبعض الحالات، كما انها كثيراً ما تضع الضريبة على البضائع فوراً مما يضغط على الفقراء بشكل كبير ومزعج، اما في الإسلام فانه إذا فاض المبلغ عن الحاجة بعد سنة كاملة فانه حينئذٍ فقط تؤخذ هذه الضريبة، وهناك فروق أخرى هامة ذكرتها في بعض الكتب[40].

من معالم الاقتصاد الإسلامي، على ضوء كلام الإمام علي (عليه السلام)

ونكتفي في هذا المختصر بالإشارة إلى بعض ملامح السياسة الاقتصادية للإسلام على ضوء كلام الإمام علي (عليه السلام).

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سياسة الحكومة تجاه الناس في إعمارهم الأراضي وعن السياسة الضريبية العامة: (وَلْيَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلًا فَإِنْ شَكَوْا ثِقَلًا أَوْ عِلَّةً أَوِ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ يَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ وَلَا يَثْقُلَنَّ عَلَيْكَ شَيْ‏ءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَئُونَةَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ ذُخْرٌ يَعُودُونَ بِهِ عَلَيْكَ فِي عِمَارَةِ بِلَادِكَ وَتَزْيِينِ وِلَايَتِكَ مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِيهِمْ مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِكَ لَهُمْ وَالثِّقَةَ مِنْهُمْ بِمَا عَوَّدْتَهُمْ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ وَرِفْقِكَ بِهِمْ فَرُبَّمَا حَدَثَ مِنَ الْأُمُورِ مَا إِذَا عَوَّلْتَ فِيهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدُ احْتَمَلُوهُ طَيِّبَةً أَنْفُسُهُمْ بِهِ فَإِنَّ الْعُمْرَانَ مُحْتَمِلٌ مَا حَمَّلْتَهُ وَإِنَّمَا يُؤْتَى خَرَابُ الْأَرْضِ مِنْ إِعْوَازِ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا يُعْوِزُ أَهْلُهَا لِإِشْرَافِ أَنْفُسِ الْوُلَاةِ عَلَى الْجَمْعِ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ بِالْبَقَاءِ وَقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْعِبَرِ)[41].

وقال (عليه السلام) عن كيفية تعامل الحكومة مع التجار وسياستها نحوهم (وَاعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ[42] ضِيقاً فَاحِشاً وَشُحّاً قَبِيحاً وَاحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ وَتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ وَذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ وَعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْهُ وَلْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ وَأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاهُ فَنَكِّلْ بِهِ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ)[43]

وقال عن السياسة العامة التي يجب ان تنتهجها الدولة تجاه المحرومين والفقراء والمساكين (ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ مِنَ الْمَسَاكِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً وَاحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ فَإِنَّ لِلْأَقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلْأَدْنَى وَكُلٌّ قَدِ اسْتُرْعِيتَ حَقَّهُ وَلَا يَشْغَلَنَّكَ عَنْهُمْ بَطَرٌ فَإِنَّكَ لَا تُعْذَرُ بِتَضْيِيعِكَ التَّافِهَ لِإِحْكَامِكَ الْكَثِيرَ الْمُهِمَّ فَلَا تُشْخِصْ هَمَّكَ عَنْهُمْ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لَهُمْ وَتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ مِمَّنْ تَقْتَحِمُهُ الْعُيُونُ وَتَحْقِرُهُ الرِّجَالُ فَفَرِّغْ لِأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ وَالتَّوَاضُعِ فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالْإِعْذَارِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ تَلْقَاهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الْإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّهِ فِي تَأْدِيَةِ حَقِّهِ إِلَيْهِ وَتَعَهَّدْ أَهْلَ الْيُتْمِ وَذَوِي الرِّقَّةِ فِي السِّنِّ مِمَّنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَلَا يَنْصِبُ لِلْمَسْأَلَةِ نَفْسَهُ وَذَلِكَ عَلَى الْوُلَاةِ ثَقِيلٌ وَالْحَقُّ كُلُّهُ ثَقِيلٌ وَقَدْ يُخَفِّفُهُ اللَّهُ عَلَى أَقْوَامٍ طَلَبُوا الْعَاقِبَةَ فَصَبَّرُوا أَنْفُسَهُمْ وَوَثِقُوا بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ‏ وَالْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَيُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ)[44]

من مباني وأسس ومسائل السياسة الإسلامية

ثالثاً: واما في السياسة الإسلامية فالمسائل كثيرة جداً لكننا سنقتصر، في هذا الموجز المقتضب، على مسائل تعد أمهات المسائل في السياسة، بل تعدّ أساس الحكم الرشيد كما يُعدّ الاعراض عنها السبب الأول في تخلف بلادنا وتحطمها والتمسك بها، ولو ببعض الحدود، الأساس في تطور البلاد الديمقراطية وهي:

الشورى، لا الحكم الفردي والاستبداد

أولاً: (الشورى) لا (الاستبداد) ومن الواضح ان (الاستبداد) هو السبب الرئيس في تحطم البلاد، وفي مقابل الحكم الفردي الاستبدادي يقع الحكم الشوري الذي يبتني على أكثرية الآراء.

وقد وردت آيات وروايات صريحة في الشورى والحريات، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)[45] وهل تجد نصاً أكثر صراحة من هذا؟ وقد فصّلنا الكلام عن ذلك في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية) وهناك المئات من الروايات في هذا الحقل وهذه بعضها قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ وَ مَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا)[46].

كما أشارت الآيات إلى أهم خصائص القدرة قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)[47] والاستغناء تارة يكون بالمال وأخرى بالسلاح وثالثة بالقوة الناعمة وهكذا، فطبيعة الإنسان إذا استغنى انه يطغى، فههنا يجب الحذر: إما بالحيلولة دون تمركز القدرة في يده واما بوضع ضمانات لعدم قدرته على إساءة استخدامها وستأتي الإشارة إلى بعضها، وقد فصلها السيد الوالد في (الفقه السياسة) وتكلمت عنها في (ملامح العلاقة بين الدولة والشعب).

العدل في الحكم

ثانياً: العدل في الحكم في كل المجالات:

وقد صرح تعالى بوجوب العدالة في الحكم قال: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[48] وقد فصلنا الكلام عن ذلك في كتاب (ملامح العلاقة بين الدولة والشعب)

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أَنْصِفِ اللَّهَ وَأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ وَمِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ وَمَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ وَمَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ وَمَنْ خَاصَمَهُ اللَّهُ أَدْحَضَ حُجَّتَهُ وَكَانَ لِلَّهِ حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ وَلَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ)[49].

وقال في رسالته إلى صاحب جند حلوان في فارس (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاهُ مَنَعَهُ ذَلِكَ كَثِيراً مِنَ الْعَدْلِ فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَهُ وَابْتَذِلْ نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ رَاجِياً ثَوَابَهُ وَمُتَخَوِّفاً عِقَابَهُ

وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُهُ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَنْ يُغْنِيَكَ عَنِ الْحَقِّ شَيْ‏ءٌ أَبَداً وَمِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ وَالِاحْتِسَابُ عَلَى الرَّعِيَّةِ بِجُهْدِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ وَالسَّلَامُ)[50]

تقسيم القدرة

ثالثاً: تفتيت تمركز القدرة

قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[51] و(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[52]

والآية واضحة في ان هندسة الله للمجتمع قامت على معادلة حفظ التوازن الاجتماعي والسياسي في دفع الناس بعضهم ببعض، بل نوهت إلى ان الغاية من ذلك ان لا تهدم المساجد وهي للمسلمين، ولا الصوامع وهي للمسيحيين، ولا البِيَع وهي لليهود، وقيل: البيع للنصارى في القرى والصوامع في الجبال والبراري، والصلوات كنيسة اليهود، ومن الواضح ان أساس مبدأ تعدد الأحزاب وفصل السلطات وجوهره، يبتني على فكرة دفع الناس بعضهم ببعض وعلى فكرة التنافس التي صرح بها في قوله تعالى: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[53]

محاربة الفساد

رابعاً: محاربة (الفساد) والذي يعد صنو الاستبداد إذ الاستبداد يؤدي إلى الفساد الاقتصادي والأخلاقي والقانوني كما انه يغطي عليه ويحميه، والفساد يقود إلى المزيد من تمركز الثروة والقدرة والاستبداد والآيات والروايات في ذلك بالمئات.

و(الفساد) في الحكم له ألوان وتجليات وأهمها: الرشوة، الاختلاس، السرقة المقنعة المسماة حالياً بمصادرة الأموال، واحتكار الثروة وغير ذلك.

وقد وردت المئات من الآيات والروايات التي تحرم الرشوة والسرقة والاحتكار وغير ذلك، وقد ذكرنا مجموعة منها في كتاب (فقه الرشوة).

ويكفينا ما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الفساد الإداري وطرق الحيلولة دون حصوله (إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلْأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً وَمَنْ شَرِكَهُمْ فِي الْآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الْأَثَمَةِ وَإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ وَأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَنَفَاذِهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِثْلُ آصَارِهِمْ وَأَوْزَارِهِمْ وَآثَامِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِهِ وَلَا آثِماً عَلَى إِثْمِهِ أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَحَفَلَاتِكَ

ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلَّا يُطْرُوكَ وَلَا يَبْجَحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ)[54]

وقال (عليه السلام): (ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ)[55].

وقال (عليه السلام) عن الفساد الاقتصادي: (ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ وَلَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَلَا يَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِي اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ النَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَعَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة)[56].

خامساً: رضى الناس والجماهيرية والإصغاء للرأي العام

وقال عليه السلام عن العدل والحق ورضى الناس والجماهيرية في عهده لمالك الاشتر: (وَلْيَكُنْ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ وَأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ وَأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ وَإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى الْعَامَّةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ وَمَيْلُكَ مَعَهُم‏)[57]

وقد جاء في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمحمد بن أبي بكر (فَاخْفِضْ لَهُمْ[58] جَنَاحَكَ وَأَلِنْ لَهُمْ جَانِبَكَ وَابْسُطْ لَهُمْ وَجْهَكَ وَآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ وَالنَّظْرَةِ حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ لَهُمْ وَلَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسَائِلُكُمْ مَعْشَرَ عِبَادِهِ عَنِ الصَّغِيرَةِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَالْكَبِيرَةِ وَالظَّاهِرَةِ وَالْمَسْتُورَةِ فَإِنْ يُعَذِّبْ فَأَنْتُمْ أَظْلَمُ وَإِنْ يَعْفُ فَهُوَ أَكْرَمُ)[59]

كما انه قال عن السياسة العامة للتعامل مع الناس وضرورة جماهيرية الحاكم في رسالته إلى عامله على مكة (وَلَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ وَ لَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ وَ لَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا)[60].

الرقابة على الحكام

سادساً: الرقابة الصارمة على الحاكم الأعلى وعلى حكام الولايات، وتعدّ الرقابة الصارمة من أهم مفردات تحقيق سياسة حكيمة سليمة في البلاد والحيلولة دون الطغيان والفساد:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) عن السياسة تجاه حكام الولايات: (ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ وَالْقَدَمِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلَاقاً وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ نَظَراً ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ

ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لِأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَمَانَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنَ الْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَة)[61]

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) عن السياسة التي ينبغي ان ينهجها الناس تجاه الحاكم الأعلى: (فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ وَ لَا آمَنُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي إِلَّا أَنْ يَكْفِيَ اللَّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي فَإِنَّمَا أَنَا وَ أَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لَا رَبَّ غَيْرُهُ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لَا نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا وَ أَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلَالَةِ بِالْهُدَى وَ أَعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى)[62].

وفتح الأبواب للنقد والمعارضة

وتدل على ذلك كافة أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنها قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[63] وقد فصلنا الكلام عن هذه الآية في كتاب (معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي)، كما تدل عليه بعض المقاطع السابقة من كلمات الأمير (عليه السلام) إضافة إلى كلمات أخرى منها:

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ وَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِنٍ لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لَا يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِعٍ ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَالْعِيَّ وَنَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالْأَنَفَ يَبْسُطِ اللَّهُ عَلَيْكَ بِذَلِكَ أَكْنَافَ رَحْمَتِهِ وَيُوجِبْ لَكَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَ هَنِيئاً وَامْنَعْ فِي إِجْمَالٍ وَإِعْذَارٍ)[64]

الاعتماد على الخبراء والتكنوقراط

سابعاً: الاعتماد في الحكم على الخبراء (التكنوقراط) وتدل على ذلك روايات كثيرة منها قوله (عليه السلام): (وَأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَمُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَكَ)[65] وقال (عليه السلام): (يُستَدَلُّ عَلى إدبارِ الدُّوَلِ بِأَربَعٍ: تَضييعِ الاُصولِ، وَالتَّمَسُّكِ بِالفُروعِ، وتَقديمِ الأَراذِلِ، وتَأخيرِ الأَفاضِلِ)[66]

مواصفات القضاة والقضاء النزيه

ثامناً: القضاء النزيه

وفي الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام) قوله: (الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ: ثَلَاثَةٌ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ رَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ)[67]

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي نَفْسِكَ مِمَّنْ لَا تَضِيقُ بِهِ الْأُمُورُ وَلَا تُمَحِّكُهُ الْخُصُومُ وَلَا يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ وَلَا يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْ‏ءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ وَلَا تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَعٍ وَلَا يَكْتَفِي بِأَدْنَى فَهْمٍ دُونَ أَقْصَاهُ وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَآخَذَهُمْ بِالْحُجَجِ وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَكَشُّفِ الْأُمُورِ وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُكْمِ مِمَّنْ لَا يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ وَلَا يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ

ثُمَّ أَكْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ وَتَقِلُّ مَعَهُ حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْكَ مَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِيَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ فَانْظُرْ فِي ذَلِكَ نَظَراً بَلِيغاً فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ قَدْ كَانَ أَسِيراً فِي أَيْدِي الْأَشْرَارِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْهَوَى وَتُطْلَبُ بِهِ الدُّنْيَا)[68]

أصالة الرفق واللين

تاسعاً: انتهاج منهج الرفق واللين وقد فصلنا في كتاب (مقاصد الشريعة ومقاصد المقاصد) الكلام عن ان الرحمة هي الغرض من الخلقة بنص القرآن الكريم كقوله تعالى: (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)[69] فالواجب ان تكون هي الإطار العام للسياسة الإسلامية.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ وَيُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وَتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ وَوَالِي الْأَمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ وَاللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاكَ وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ وَابْتَلَاكَ بِهِمْ وَلَا تَنْصِبَنَّ نَفْسَكَ لِحَرْبِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَدَ لَكَ بِنِقْمَتِهِ وَلَا غِنَى بِكَ عَنْ عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَلَا تَنْدَمَنَّ عَلَى عَفْوٍ وَلَا تَبْجَحَنَّ بِعُقُوبَةٍ وَلَا تُسْرِعَنَّ إِلَى بَادِرَةٍ وَجَدْتَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً وَلَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَمَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَتَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ)[70]

ومن مفردات اللين والرفق، السياسة العامة في جباية الضرائب، فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لكل من كان يبعثه لأخذها: (انْطَلِقْ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا تُرَوِّعَنَّ مُسْلِماً وَلَا تَجْتَازَنَّ عَلَيْهِ كَارِهاً وَلَا تَأْخُذَنَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِي مَالِهِ فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ ثُمَّ تَقُولَ عِبَادَ اللَّهِ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَخَلِيفَتُهُ لِآخُذَ مِنْكُمْ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ فَهَلْ لِلَّهِ فِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ حَقٍّ فَتُؤَدُّوهُ إِلَى وَلِيِّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَا فَلَا تُرَاجِعْهُ وَإِنْ أَنْعَمَ لَكَ مُنْعِمٌ فَانْطَلِقْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخِيفَهُ أَوْ تُوعِدَهُ أَوْ تَعْسِفَهُ أَوْ تُرْهِقَهُ فَخُذْ مَا أَعْطَاكَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ أَوْ إِبِلٌ فَلَا تَدْخُلْهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا لَهُ فَإِذَا أَتَيْتَهَا فَلَا تَدْخُلْ عَلَيْهَا دُخُولَ مُتَسَلِّطٍ عَلَيْهِ وَلَا عَنِيفٍ بِهِ وَلَا تُنَفِّرَنَّ بَهِيمَةً وَلَا تُفْزِعَنَّهَا وَلَا تَسُوأَنَّ صَاحِبَهَا فِيهَا)[71] وهل تجد نظيراً لذلك في دول العالم كافة؟ أو في أي دستور من الدساتير؟

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

..................................
[1] مثلاً تقول حكومة علمانية أو إسلامية أو عسكرية أو ديمقراطية أو اوليغارشية، أو اقتصاد اشتراكي أو إسلامي أو رأسمالي، أو طب عربي أو هندي أو يوناني أو غربي أو إسلامي.
[2] حسب ما اصطلحنا عليه في مباحث الحكومة والورود.
[3] حتى مع قطع النظر عن الكيفية.
[4] راجع مثلاً عهد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الاشتر والذي لا يزال يعدّ بعد ألف وأربعمائة سنة، من مفاخر الدساتير في الحكم والسياسة والإدارة، وقد اوصت الأمم المتحدة حكام الدول الإسلامية بمطالعة هذا العهد والاهتمام به! وكذا رسالته (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية وإلى سائر الولاة.
[5] راجع مثلاً (استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)) للمؤلف.
[6] راجع مثلاً رسالة الحقوق للإمام السجاد (عليه السلام)، والتي تعد من أهم رسائل الحقوق عالمياً.
[7] يراجع (اقتصادنا) للشهيد السيد الصدر و(الاقتصاد) للشهيد السيد حسن الشيرازي و(الفقه، الاقتصاد) و(الاقتصاد الإسلامي المقارن) للإمام السيد محمد الشيرازي.
[8] سورة النساء: آية 58.
[9] سورة البقرة: آية 177.
[10] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص441.
[11] سورة آل عمران: آية 159.
[12] سورة الشورى: آية 38.
[13] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص500.
[14] الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج9 ص322.
[15] المصدر نفسه.
[16] سورة البقرة: آية 279.
[17] سورة المائدة: آية 1.
[18] ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص292.
[19] ومنها ما لو كان الزمان قيداً لا ظرفاً.
[20] سورة البقرة: آية 208.
[21] بناء على بعض تفاسير الآية.
[22] سورة الأنفال: آية 61.
[23] أو إدراك، على الرأيين.
[24] سورة النحل: آية 90.
[25] سورة البقرة: آية 29.
[26] ثقة الإسلامي الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص279.
[27] ثقة الإسلامي الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص280.
[28] أو حتى ظالماً؟.
[29] سورة الشورى: آية 38.
[30] سورة العلق: آية 6-7.
[31] على كثرة معايبها.
[32] سورة البقرة: آية 279.
[33] يراجع (فقه الرشوة)، للمؤلف.
[34] سورة البقرة: آية 29.
[35] ثقة الإسلامي الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص279.
[36] راجع مثلاً (الشؤون الاقتصادية في الكتاب والسنة) للشيخ جعفر الهادي و(الفقه المال) للسيد الوالد و(استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)) للمؤلف.
[37] الشيخ الطوسي، الأمالي، دار الثقافة للنشر – قم، 1414هـ، ص396.
[38] راجع (الدراهم المغشوشة)، للمؤلف.
[39] فيمن كان مستأجراً.
[40] يراجع (بحوث في العقيدة والسلوك) للمؤلف.
[41] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص436.
[42] من التجار.
[43] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص436.
[44] المصدر نفسه: ص439-440.
[45] سورة الشورى: آية 38.
[46] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص500.
[47] سورة العلق: آية 6-7.
[48] سورة النساء: آية 58.
[49] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص426.
[50] المصدر نفسه: ص449.
[51] سورة البقرة: آية 251.
[52] سورة الحج: آية 40.
[53] سورة المطففين: آية 26.
[54] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص430.
[55] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص435-436.
[56] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص441.
[57] المصدر نفسه: ص426.
[58] الضعفاء وعامة الناس.
[59] المصدر نفسه: ص383.
[60] المصدر نفسه: ص457.
[61] المصدر نفسه: ص435-436.
[62] المصدر نفسه: ص334.
[63] سورة التوبة: آية 71.
[64] المصدر نفسه: ص439.
[65] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص430.
[66] عبد الواحد بن محمد التميمي، غرر الحكم ودرر الكلم، مكتب الإعلام الإسلامي – قم، ص342.
[67] ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج7 ص407.
[68] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص433.
[69] سورة هود: آية 119.
[70] السيد الشريف الرضي، نهج البلاغة، دار الهجرة للنشر – قم، ص426.
[71] المصدر نفسه: ص380.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
الإسلام هو الدين الكامل والخاتم الذي أنزله لنا رب العالمين
وفصل لنا بعض أمور حياتنا وترك بعضها لعقول بعض المتأملين المفكرين
وطلب منا التأمل للإبتكار والخلق ليظل الله سبحانه وتعالى أحسن الخالقين
والإسلام أرشدنا الى بعض مفاتيح الإقتصاد وترك بقية تفاصيل الأمور للإقتصاديين
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه...واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2018-12-12