دفع وباء \"كوفيد 19\" العالم إلى أزمة صحية واقتصادية بحجم لم يكن يتوقعه سوى قلة من الناس، ولكن على الجميع الآن مواجهته معا. قد يكون الاستقرار الاجتماعي لكوكب الأرض بأكمله على المحك ما لم تقم جميع البلدان بتعميق التنسيق والتعاون العالميين قدر الإمكان. على الصعيد...
بقلم: مارتين غوزمان

بوينوس آيرس - دفع وباء "كوفيد 19" العالم إلى أزمة صحية واقتصادية بحجم لم يكن يتوقعه سوى قلة من الناس، ولكن على الجميع الآن مواجهته معا. قد يكون الاستقرار الاجتماعي لكوكب الأرض بأكمله على المحك ما لم تقم جميع البلدان بتعميق التنسيق والتعاون العالميين قدر الإمكان.

على الصعيد الاقتصادي، أقنع العديد من الاقتصاديين وصناع السياسات أنفسهم بأن سياسات تعزيز الطلب الفعال ستكون كافية للتخفيف من الركود الاقتصادي. في الواقع، المشكلة أكثر تعقيدًا بكثير، ولن يتم حلها من خلال إجراءات التحفيز القياسية. في حين يُعد الحد من التفاعلات الاجتماعية أمرا بالغ الأهمية للتخفيف من انتشار الفيروس التاجي، فإن معظم الناس لا يمكنهم الذهاب إلى العمل (إلا إذا كانوا يعملون في الصناعات الأساسية). ولأن الناس لا يعملون، سيكون لديهم دخل أقل (أو لادخل) ينفقونه. في ظل هذه الظروف، فإن الخوف من تراجع النشاط الاقتصادي المستمر مُبرر، ولكن هذه النتيجة لا يمكن تجنبها على المدى القصير.

لكن هذا الوضع غير المسبوق لا يعني أننا نفتقر إلى المبادئ التي يمكن ويجب أن توجه أعمالنا ونحن نمضي قدمًا. لوقف الوباء وإنقاذ اقتصادات العالم، يجب أن نلتزم بخمسة مبادئ أساسية.

أولاً، يجب أن تكون وتظل حماية الصحة والحياة البشرية هي الأولوية القصوى. الصحة منفعة عامة عالمية. ولحمايتها، علينا الحد من حركة تنقل الناس والبضائع داخل مجتمعاتنا.

كما نشهد بالفعل، لا شك أن هذه الحتمية على مستوى المجتمع ستؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي. ولكن كلما أسرعنا في تنفيذ هذه المبادئ بشكل كامل، كلما تمكنا من استعادة الاقتصاد. لا يمكن تحقيق أي تقدم حتى يتم القضاء على وباء كوفيد 19. في غضون ذلك، يجب علينا أيضًا التفكير في كيفية ضمان توريد السلع والخدمات الأساسية بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، علينا مساعدة مقدمي الرعاية الصحية الذين يحاولون التغلب على النقص الشديد في المعدات المنقذة للحياة للمرضى ومعدات الحماية الشخصية للموظفين الطبيين. تعاني العديد من البلدان من نقص كبير في أجهزة التنفس، وآلات التهوية، والأكسجين، وحتى أقنعة الوجه البسيطة. ينبغي العمل بشكل حاسم للتخفيف من هذا النقص لتجنب خسائر أكبر في الأرواح والاستقرار الاجتماعي.

يتمثل المبدأ الثاني في حماية أولئك الذين هم، أو قد يصبحون عرضة للمرض، أو الجمود الاقتصادي، أو كليهما. مع غياب التدخلات السياسية، تواجه العديد من الأسر والأفراد ظروفا قاسية في ظل التغييرات في الطلب. في الواقع، أظهرت البيانات الشهرية التي صدرت مؤخرًا عن الولايات المتحدة أن عدد الأمريكيين الذين قدموا طلبًا للتأمين ضد البطالة قد ارتفع بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين. في البلدان التي تعمل فيها نسبة كبيرة من السكان العاملين في القطاع غير الرسمي والذين لا يشملهم التأمين ضد البطالة -كما هو الحال في الأرجنتين- تكون الحاجة إلى الحماية أكبر.

تتطلب تلبية احتياجات الفئات الأكثر ضُعفاً إستراتيجية ثلاثية.

أولاً، على الحكومات توفير تحويلات نقدية كبيرة بما يكفي للحفاظ على الدخل المعيشي لجميع الأسر المتعثرة.

ثانياً، يجب عليها القيام بتمديد تأمينات البطالة السابقة حتى لا يعاني العمال المسرحون من الفقر قبل نهاية الجائحة.

وثالثًا، يجب عليها حماية العمالة الحالية من خلال دعم الوظائف في القطاعات التي تأثرت بشدة بالأزمة ولكنها ستظل قيمة للاقتصاد عند انتهاء الأزمة. تعتمد الأرجنتين تدابير مماثلة.

يكمن المبدأ الثالث في الحفاظ على رأس المال التنظيمي (المعرفة) الذي يعد جزءا من الشركات الحالية. هذا ليس مثل حماية الأرباح أو المساهمين. تتطلب الأزمة سياسات موجهة بشكل خاص نحو الحفاظ على القدرات الإنتاجية الإيجابية والدراية الفنية داخل الشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء. سيكون تحقيق هذا المبدأ حاسما لتجنب تفاقم عدم المساواة، وضمان الحفاظ على أنظمة المساءلة التي تعتبر أساسية لاقتصاد السوق، وتنظيم عملية انتعاش أوسع من الركود الاقتصادي.

رابعاً، يجب التعامل مع البحوث التي تم إجراؤها لمعالجة أزمة كوفيد 19 كصالح عام عالمي. سيكون العمل العلمي لإنتاج اللقاحات والعلاجات الأخرى حاسماً لكبح جائحة الوباء واستعادة النشاط الاقتصادي. ولكن يجب إتاحة هذه العلاجات عالميًا بأسعار معقولة. إن تخزين المعرفة العلمية عندما تكون حياة عدد لا يحصى من الناس على المحك يُعد جريمة أخلاقية لا تُغتفر. كما أن هذا العمل يؤدي إلى نتائج عكسية، نظرًا لأننا جميعًا مترابطون من خلال الاقتصاد العالمي.

المبدأ الأخير هو التفكير بجرأة. لتوفير السيولة على المستوى العالمي، علينا استخدام مجموعة أدوات السياسة الاقتصادية بأكملها - وتجربة الأدوات الجديدة التي يمكن إضافتها إليها. على سبيل المثال، ينبغي تمديد تبادل العملات الثنائية بين البنوك المركزية في الاقتصادات النامية والمتقدمة، ويجب توسيع حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي لمواجهة التحدي القائم - كما اقترحت المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا هذا الأسبوع في قمة قادة مجموعة العشرين.

تتطلب حالة الطوارئ العالمية سياسات عالمية حاسمة. إن الأرجنتين مستعدة للقيام بدورها لمساعدة العالم على اجتياز هذه الأوقات العصيبة. يجب على جميع البلدان والمؤسسات الدولية أن تتكاثف وتعمل بحزم.

تم تعديل هذا التعليق من خلال التصريحات التي تم الإدلاء بها في الاجتماع الخاص لوزراء المالية لمجموعة العشرين في 23 مارس / آذار.

* مارتين غوزمان، وزير الاقتصاد الأرجنتيني
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق