يتعين على النخب السياسية في البلاد أن تعمل على إيجاد رئيس توافقي عاجلاً لا آجلاً، في حين يتعين على الجهات الفاعلة الخارجية أن تثني شاغل المنصب عن تجاوز مدة ولايته. ويتعين على الزعماء اللبنانيين أيضاً أن يتوصلوا إلى ترتيب لإطلاق يد الحكومة المؤقتة حتى تتمكن من المضي...

ما لم يتم التوصل إلى تسوية في اللحظات الأخيرة، فإن لبنان سيغدو قريباً دون رئيس. ومن شأن حدوث شغور تطول مدته أن يعطل العمل الملحّ اللازم لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية في البلاد، والمخاطرة بحدوث اضطرابات. لذلك، ينبغي على السياسيين اللبنانيين، وبمساعدة خارجية، أن يسعوا لتفادي هذه النتيجة - وأن يتوصلوا إلى إجراءات تحسينية مؤقتاً

لقد بدأ الوقت ينفد أمام ساسة لبنان لاختيار رئيس جديد. وإذا فشلوا في فعل ذلك بحلول 31 تشرين الأول/أكتوبر، عندما تنتهي ولاية شاغل المنصب، فإن الفراغ الناجم عن ذلك يمكن أن يستمر لأشهر أو حتى سنوات. وينقسم القادة السياسيون بشكل خاص حول دور حزب الله في الحكومة ومخزون أسلحته.

ما أهمية ذلك؟

قد يقيد مثل هذا الفراغ يدي الحكومة، حيث يتعين على الرئيس في ظل النظام اللبناني أن يوافق على تشكيل أي حكومة جديدة، ولم يفعل شاغل المنصب المنتهية ولايته ذلك. في الفراغ، سيواجه وزراء تصريف الأعمال صعوبة كبيرة في إجراء الإصلاحات التي تحتاجها البلاد لإنقاذها من محنتها الاقتصادية.

ما الذي ينبغي فعله؟

يتعين على النخب السياسية في البلاد أن تعمل على إيجاد رئيس توافقي عاجلاً لا آجلاً، في حين يتعين على الجهات الفاعلة الخارجية أن تثني شاغل المنصب عن تجاوز مدة ولايته. ويتعين على الزعماء اللبنانيين أيضاً أن يتوصلوا إلى ترتيب لإطلاق يد الحكومة المؤقتة حتى تتمكن من المضي قدماً في الإصلاحات المطلوبة لفتح باب المساعدات الاقتصادية.

لمحة عامة

في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، من المرجح أن يستيقظ الشعب اللبناني على سيناريو مألوف للغاية: كرسي فارغ حيث يجب أن يكون رئيس الدولة. إذ تنتهي مدة ولاية ميشال عون الحالية التي تبلغ ست سنوات في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وحتى الآن لم ينتخب البرلمان اللبناني خلفاً له. يهدد الفراغ الرئاسي بشل الحكم، الأمر الذي يترك مقاليد السلطة في يد الحكومة المؤقتة الضعيفة، ويزيد من إعاقة الإصلاحات الاقتصادية التي اشترط صندوق النقد الدولي تنفيذها لتقديم المساعدات التي تشتد الحاجة إليها. ولا يمكن أن يؤدي طول أمد الجدل حول الرئاسة إلا إلى تفاقم هذه المشاكل في وقت يحتاج فيه لبنان بشدة إلى طي صفحة ثلاث سنوات من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تخلق خطر عدم الاستقرار العنيف. وبدفع من الشركاء الخارجيين، يتعين على الساسة في البلاد أن يبذلوا قصارى جهدهم لتجنب هذه النتيجة من خلال التوصل إلى حل وسط عملي بشأن رئيس جديد، وفي الوقت نفسه الاتفاق على بروتوكولات تسمح للحكومة المؤقتة بالمضي قدماً في إجراء الإصلاحات الاقتصادية.

يسود الاستقطاب الحياة السياسية اللبنانية بشكل متزايد. ولا يزال السياسيون منقسمين انقساماً حاداً بشأن دور حزب الله، وهو الحزب الشيعي الذي تحول إلى ميليشيا. يشعر منافسو الحزب بالقلق من أن الحزب يمارس نفوذاً أكبر مما ينبغي. ويقولون إن الرئيس عون زاد من تعزيز قبضة حزب الله على مؤسسات الدولة، وهم مصممون على وقف أي مرشح رئاسي قد يفعل الشيء نفسه. ومن جانبه، فإن المعسكر المؤيد لحزب الله لن يقبل مرشحاً يعارض انحياز الحزب إلى إيران وموقفه من “المقاومة” ضد إسرائيل وحلفائها.

قد يطول أمد الجمود. والهيئة التشريعية، المسؤولة عن انتخاب الرئيس الجديد، مجزأة إلى حد كبير في أعقاب الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار/مايو، مع عدم وجود أغلبية واضحة لأي من المعسكرين. واقعياً لا يستطيع “السياديون“، وهم أكثر معارضي حزب الله تشدداً، أن يحشدوا الأغلبية لانتخاب مرشحهم المفضل. لكنهم قد يتمكنون من عرقلة أي خيار يدعمه حزب الله من خلال حشد ما يكفي من النواب لإحباط متطلبات النصاب البرلماني. إن تحالف حزب الله أكبر وأكثر تماسكاً على ما يبدو من فصائل المعارضة، ولكن الانقسامات الداخلية قد تمنعه من فرض مرشح من اختياره. وفي الوقت نفسه، تراقب القوى الخارجية الإجراءات غالباً دون اكتراث. وفي حين يراهن البعض في لبنان على أن الحد من التوترات الإقليمية قد يسهل على الأطراف جسر الانقسام الداخلي، لا يزال من غير الواضح كيف يمكن أن يحدث ذلك.

وليس بوسع لبنان أن يتحمل ثمن شغور آخر ممتد في القصر الرئاسي. صحيح أن الرئاسة ليست أكثر المناصب نشاطاً في السلطة التنفيذية اللبنانية؛ فرئيس الوزراء هو المسؤول في المقام الأول عن الأداء اليومي للحكومة. ولكن الرئيس لديه القدرة على منع تشكيل حكومات جديدة ــ وهي السلطة التي استخدمها عون عدة مرات ــ ويلعب أدواراً أخرى تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحكم في لبنان. عندما تكون الرئاسة شاغرة، تنتقل صلاحياتها إلى الحكومة، ولكن الحكومة مقيدة فيما يتعلق بكيفية استخدامها. وتتمثل الممارسة المعتادة (التي يرى البعض أنها تعكس متطلباً قانونياً) في مطالبة الحكومة بالتصرف بتوافق آراء جميع الوزراء الأربعة والعشرين خلال الفترات التي تكون فيها الرئاسة شاغرة.

يمكن أن يخلق شرط الإجماع هذا تحديات كبيرة في الوقت الحاضر. إذ تواجه البلاد أزمة اقتصادية منهكة تتطلب اهتماماً فورياً ــ وبصورة أساسية، من خلال الإصلاحات التي اشترط صندوق النقد الدولي إجراءها قبل أن يفرج عن حزمة الإنقاذ التي تشتد الحاجة إليها. وتتطلب تلك الإصلاحات، في بعض الحالات، موافقة الحكومة. ولكن قد لا يكون من الممكن الحصول على 24 صوتاً مؤيداً لكل هذه المبادرات المثيرة للجدل. وبالتالي فإن تقاليد التصويت قد تؤدي إلى وضع عائق آخر في طريق الانتعاش الاقتصادي المتعثر في لبنان – مما يسبب المزيد من الصعوبات ويزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية.

إن أفضل وسيلة لتجنب أزمة أكثر عمقاً تتلخص في تنحية أهل النخبة السياسية في لبنان لمصالحهم الضيقة جانباً والعمل من أجل التوصل إلى حل وسط عملي بشأن الرئيس الذي سيحل محل الرئيس عون يتناسب مع تقاليد ترتيبات تقاسم السلطة في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية في البلاد. ويتعين على جماعات المعارضة أن تستخدم نفوذها للضغط من أجل مرشح توافقي حقيقي، وفي الوقت نفسه أن تتجنب التحركات التي تحوّل المنافسة الرئاسية إلى مسعى ميؤوس منه لكبح جماح حزب الله.

ولا ينبغي للمعسكر المؤيد لحزب الله أن يحاول فرض رئيس يلقى معارضة قوية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بالاحتكاك السياسي المزعزع للاستقرار. وفي الكواليس، ينبغي على الجهات الفاعلة الدولية دعم جهود التسوية والحرص على تجنب زيادة حدة التنافس بين المعسكرين. ويتعين عليها أيضاً أن توضح أن عون لا ينبغي له أن يتجاوز فترة ولايته في الرئاسة ـ وهي الفكرة التي يقال إنها تراوده ـ لأن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من صعوبة إدارة الأزمة الدستورية الوشيكة في لبنان.

وفي حالة عدم اختيار رئيس جديد في 31 تشرين الأول/أكتوبر، ينبغي على القادة السياسيين في لبنان أن يستكشفوا الخطوات اللازمة للحد من الأضرار، بما في ذلك وضع ترتيب جديد يتيح للحكومة المؤقتة مزيدا من الحرية للاتفاق على الإصلاحات الاقتصادية اللازمة في غياب توافق الآراء. ولكن لا ينبغي لأحد أن يتصور أن مثل هذه الصفقة ستشكل بديلاً مستقراً للتنازلات المطلوبة للتوافق على رئيس جديد، وبدء التعافي الاقتصادي، ومساعدة البلاد على الخروج من أزمتها التي طال أمدها ـ وينبغي أن تحل كل هذه الأولويات محل الحيل والدسائس السياسية بين نخب لبنان.

https://www.crisisgroup.org

اضف تعليق