وصفت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد عام على رئاسته بالكارثية وخاصة على مستوى السياسة الخارجية وتحديدا إزاء منطقة الشرق الأوسط، فشعاره "أمريكا أولا" سبب لهذه السياسيات.

تتلخص السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط على ثلاثة محاور: محاربة الإرهاب (حسب وجهة نظرها)، وتثبيت عملية السلام وإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، ومحاربة النفوذ الإيراني.

في المحور الأول: تتبع الولايات المتحدة أسلوب القوة الخشنة في مواجهة الإرهاب، وهي أكثر تحركا من إدارة أوباما سواء في إسهامها بالتحالف الدولي في العراق أو موقفها من الأزمة السورية واستمرار إستهدافها لتنظيم القاعدة في اليمن، فالموصل تحررت بعد مجيء ترامب وكذلك الرقة السورية بغض النظر عن النوايا وحجم المشاركة، لكن لا يمكن أن يقاس عهد أوباما بعهد ترامب خاصة أن الأخير اتهم سلفه بخلق تنظيم داعش وأنه عازم على إنهائه. ولكن إذا كان هدف مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة طريقا لإحلال السلام فما هي البدائل لتثبيت الاستقرار والسلام؟، البدائل تجسدت بتدشين قطيعة مع سبع دول عربية وإسلامية ومنعها من دخول الولايات المتحدة، وهذه خطوات لا تؤدي إلى السلام بل إلى واقع أكثر إحتقانا تلعب فيه صراعات الأديان والأعراق دورا محوريا فيه.

في المحور الثاني: تلخصت عملية صنع السلام في الشرق الأوسط بخطوات لا تسهم بإحلاله بل بمفاقمته وهنا تتعارض توجهات ترامب بالمحور الأول ويجعل موضوع تنشيط الجماعات المسلحة والإرهابية أكثر حضورا، ترامب أختار السعودية والملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان لقيادة هذه العملية القائمة على أساس التطبيع مع إقتران هذه السياسة باستحواذها على أموال هذه الدول وزرع الخلافات بين السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى، ودعم هذا المحور لمواجهة المحاور المعارضة للتوجهات الأمريكية الرافضة لعملية السلام وضمان أمن إسرائيل والإستفادة من هذه الخلافات لمراكمة الحصول على أكبر قدر من المكاسب والأموال والصفقات، وهذا ما حصل فعلا.

لكن نشوة هذه السياسة لم تؤتي ثمارها بعد قرار ترامب الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس ضرب مغزى السلام، وحرك الصراع العربي - الإسرائيلي رغم تنامي دول التطبيع علانية وسرا، إلا أن المواقف الدولية والعربية الدبلوماسية وقفت ضد قرار ترامب ولم تساند أمريكا إلا ثمانية دول غير معروفة.

أما المحور الثالث: لم يخفي ترامب تصعيده ضد إيران وأول ما هدد بإلغاء الإتفاق النووي الإيراني وحرك مندوبته في مجلس الأمن بالتصعيد ضد إيران في كل مناسبة، وكذا الحال في دعم الإحتجاجات الأخيرة في إيران ومحاولة تدويلها في مجلس الأمن، وعلى صعيد الواقع أيضا لا يروق لأمريكا ترامب أن تتمدد إيران في العراق عبر بوابة الحشد الشعبي وهي تعمل جاهدة لمواجهة هذا النفوذ والتمدد سياسيا وقد تلجا للمواجهة العسكرية غير المباشرة مع الحشد في أي وقت تشعر فيه أمريكا بالخطر على مصالحها في العراق.

أما في سوريا فهنالك من يقول أن أمريكا لا تمتلك إستراتيجية واضحة فيها، هذا صحيح في عهد أوباما، أما ترامب فقرر التدخل وإنزال جنود المارينز والعمليات الخاصة في الرقة وتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية وهو الآن بصدد إنشاء حرس حدود أو أمن داخلي لأكثر من ثلاثة الآف متطوع من هذه القوات لرسم معالم كيان كُردي مستقل على الحدود التركية مع تنسيق الأوضاع مع روسيا في تقاسم النفوذ، وهنا أثر هذا التدخل على الحليف التركي ودفعه للتقارب مع الروس والإيرانيين الذين خذلا أردوغان في أدلب وضربا إتفاقيات خفض التوتر والتصعيد عرض الحائط، مما يؤشر على أن تركيا الخاسر الأكبر من سياسة مواجهة محور المقاومة وإيران في سوريا.

أما مواجهة إيران في الساحة اليمنية فهي تؤدي دورا مزدوجا في محاربة القاعدة بطائراتها المسيرة في حضر موت ومأرب لكنها تدعم الصراع العربي بقيادة السعودية والإمارات ضد أنصار الله الحوثيين وتغذيه لصالح التحالف لإضعاف الكماشة الإيرانية الداعمة للحوثيين وإشغالها في هذه الساحة المعقدة وحرفها عن بؤرة الصراع مع إسرائيل، أما في لبنان تشجع أمريكا ترامب الإنقسامات السياسية ولا تدعم خيار الإنتخابات وتسمح بتحوير موقع الصراع بين حزب الله وإسرائيل إلى جهة التخالف بين المكونات عبر تجذير الخطاب الطائفي وما أزمة سعد الحريري وإحتجازه في الرياض إلا مصداق لذلك فنعلم أن السعودية لا تخطو خطوة دون موافقة واشنطن.

على مستوى إستراتيجية الأمن القومي التي أقرها البيت الأبيض قبل أيام تضمنت ملامح السياسة الخارجية العالمية وحددت بأربع مخاطر: وهي روسيا وتدخلها في أوكرانيا، وسوريا وتغافلت عن مخاطر مؤكدة عن تدخلها في الإنتخابات الأمريكية، وإستفتاء بريكست في المملكة المتحدة وكذلك الإنتخابات الرئاسة الفرنسية، وأيضا الصين وصعودها الإقتصادي ومنافستها للولايات المتحدة بتصدير السلاح والتقنيات الرخيصة مع تقاربها ضمن التوجهات الروسية أكثر من توجهات واشنطن، وأيضا مخاطر السلاح النووي الكوري الشمالي وكيفية مواجهة تهور قيادة بيونغ يانغ وتهدديها للمصالح الأمريكية في جزر غوام وشبه الجزيرة الكورية ووضع آليات عقابية وتهيؤ أمريكي لمخاطر إستخدام بيونغ يانغ صواريخ ذات رؤوس نووية وطرق الإحتواء والمفاوضات أو اللجوء لخيارات الردع، وتطرقت الإستراتيجية لخطر إيران الذي ذكرناه أعلاه.

أما فيما يخص السياسات الداخلية لم يحقق ترامب الكثير من وعوده الإنتخابية عدا قانون الضريبة فلم يستطع إلغاء برنامج الرعاية الصحية "أوباما كير" ولم يستطع أن يشرع ببناء جدار الفصل مع المكسيك ولازالت سياساته تجاه المهاجرين عنصرية وغير مرضية، كما أنه أخفق في تمرير قانون الموازنة مما هدد بإغلاق الحكومة الفيدرالية وتم إقرار موازنة مؤقتة بسبب تمسكه بتمويل جدار المكسيك وزيادة الإنفاق العسكري على حساب وزارة الخارجية ووكالات إنفاقها كما أن التعيينات لهذه الوزارة ودرجات وظيفية أخرى لازالت شاغرة، ولازال ترامب يهاجم الإعلام ويهاجمه، ولازال الأمن الداخلي يتعرض لتحديات وثغرات وهجمات إرهابية، ولازال السلاح يمكن حيازته من قبل الجميع.

لكن يبقى هنالك تقدم إقتصادي والنفط الإحفوري لازال يحقق إكتفاء ذاتيا وتصاعد مستوى النمو، بالمجمل مع ذلك هنالك إحتجاحات وأصوات عريضة معارضة لسياسات ترامب الداخلية والخارجية ويبدو أنه يضع الولايات المتحدة في حالة عزلة بعد إنسحابه من إتفاقية المناخ في باريس وإتفاقية التجارة الحرة مع الصين وإعادة التفاوض حول معاهدة نافتا لدول أمريكا الشمالية لأنها لا تروقه.

ما يمكن إستخلاصه من السنة التي مرت على رئاسة ترامب على صعيد السياسة الخارجية وما قيمهُ وتنبأ به البعض كهنري كيسنجر الذي قال: "إن بريق أمريكا يتضاءل مع الرئيس ترامب، ووصف أفعاله بأنها غريبة عندما ضرب موظفيه ومرؤسيه بعضهم ببعض، ناهيك عن المكايدات السياسية التي يشرف عليها بنفسه، عطفاً على الشبهات الدائرة حول علاقاته بقوى أجنبية في مقدمتها روسيا. يكاد ضوء المصباح الأمريكي أن ينطفئ شرق أوسطياً وعربياً وإسلامياً من جراء قرارات سياسية فوقية تمثل طعنات قاتلة لمليار ونصف أو أكثر من مسلمي العالم، كإعلان القدس عاصمة لدولة إسرائيل، تلك التي تضرب بالآخرين عرض الحائط، مستندة إلى القوة الخشنة الأميركية".

خلاصة ما يمكن قوله: إن دعم ترشيح ترامب ووصوله للرئاسة لا يمثل إلا مصالح لوبيات وتجمعات المال والنفط والأسلحة والتيارات اليمينية الأصولية المتشددة ومصالح إسرائيل، وهذه التوجهات هي التي جعلت من وصوله للبيت الأبيض مسألة قاتلت عليها تلك النخب العنصرية، لأن توجهاته ترتبط أولاً بمصالحهم الشخصية، قبل الحديث والبحث عن مصالح العوام من الشعب الأمريكي.

في ظل إدارة ترامب يبدو أن واشنطن في العديد من سياساتها الخارجية والداخلية سترسخ خيارات مخيفة لتأريخ الديمقراطية والليبرالية الناظمة للمجتمع الأمريكي وتدفع لتبني مفهوم يجعل أمريكا تسير ضد العالم برمته، وهو طرح وخيار يتعارض ويتنافى مع صورة أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية في أول سنة رئاسة لدونالد ترامب.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق