لا تريد إسرائيل المغامرة بالتعرض لمخاطر الحرب حاليا، وتعمل من أجل منع حدوث تراجع إستراتيجي في حساباتها السورية ما يجعلنا نتوقع سلوكها النمطي، فمن غير المتوقع أن تتحرك إسرائيل عسكرياً في سوريا لكنها قد تلجأ إلى عدة خيارات لمنع إيران من إمتلاك قوة تقليدي...

رغم التصعيد الأخير لإسرائيل في سوريا بسبب اقتراب دائرة الحرب من الحدود الشمالية للأراضي المحتلة وتضرر المصالح الإسرائيلية في الساحة السورية، لكن لا يبدو مشهد الإنخراط المباشر في مواجهة التهديدات حاضرا في الخيارات المنظورة.

فإسرائيل لا تسعى إلى الصدام والحرب وتمتنع خوض الحرب خاصة لجهة الاشتباك مع الإيرانيين في سوريا أو مع الجيش السوري، فهنالك روسيا وتعقيدات الوضع في ترتيب المواقف والأهداف معها. ولهذا هنالك عدة خيارات لتحديد الموقف الإسرائيلي في سوريا تتمحور جلها أزاء إيران، فالمشكلة الأساسية لا تكمن في صراع المصالح بين إسرائيل وإيران فحسب، بل في مستقبل تعارض الخيارات بينهما، فالإيرانيون يريدون تثبيت تواجد عسكري تابع لهم في سوريا وخاضع لسلطتهم، وإسرائيل مصممة على منع تحقيق هذا المشهد.

وضمن هذا الإطار لا تريد إسرائيل المغامرة بالتعرض لمخاطر الحرب حاليا، وتعمل من أجل منع حدوث تراجع إستراتيجي في حساباتها السورية ما يجعلنا نتوقع سلوكها النمطي، فمن غير المتوقع أن تتحرك إسرائيل عسكرياً في سوريا لكنها قد تلجأ إلى عدة خيارات لمنع إيران من إمتلاك قوة تقليدية فيها:

1- الخيار العسكري المحدود: إذ ستعمل إسرائيل على تحقيق صدع وشقاق بين بشار الأسد والإيرانيين، لأن بقاء تحالفهما مقلق للمصالح الإسرائيلية، التي تدرك أن الرئيس السوري ليس من مصلحته خوض حرب معها في هذه المرحلة، فهي ترى أن الأسد خصم عقلاني بالإمكان توقع سياساته تجاهها، كما أن الأسد لا يريد خسارة التهدئة في مواقع الاشتباك في الجولان حاليا بسبب إيران لإنشغاله بالحرب ضد الجماعات الإرهابية، ولهذا تتفهم إسرائيل هذه الفرضية، فهي قد لا تركز على استهداف الأهداف والأصول الإيرانية داخل سوريا، لكنها ستشن هجمات ضد المصالح والأصول المهمة السورية في كل مرة تهدد إيران إسرائيل، وهنا ستخلق تل أبيب شقاقاً وخلافا وتوترا بين نظام بشار الأسد وإيران، وتأمل أن تنحاز روسيا إلى الأسد لعزل إيران. فهي قد تدخل في احتكاكات ولو بشكل جزئي، دون الإنزلاق في حرب شاملة.

2- الخيار السياسي الدولي: المتعلق بحراك حكومة نتانياهو ضد البرنامج النووي الإيراني، رغم نتانياهو اُحبط من عدم الحسم الأمريكي ضد النفوذ الإيراني الواسع في سوريا لكنه يتفهم أن الولايات المتحدة تريد إعادة النظر في الإتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الكبرى، من أجل إضافة تعديلات جديدة على الإتفاق منها: منع إيران من تصنيع صواريخ طويلة المدى. ومنع القوات الإيرانية من التواجد في سوريا، على أن يصبح هذا المطلب بنداً ملزما في الإتفاق النووي مع إيران، ذلك لأن نزع الصواريخ الإيرانية من سوريا، تعد أكثر الحاحا من الموانع المفروضة على إنتاج إيران صواريخ جديدة.

ويندرج ضمن هذا الخيار تحفيز إسرائيلي لتفاهم أمريكي- روسي، حيث يتعين على إسرائيل إقناع الولايات المتحدة، لتكون أكثر تفهماً ومرونة إتجاه روسيا واحتياجاتها، خاصة ما يتعلق بالعقوبات الغربية المفروضة عليها، وفي المقابل يتم الحصول على موقف روسي أكثر تعاوناً وإنحيازا لتل أبيب تجاه الملف الإيراني في سوريا، وهذا ما عمل عليه نتانياهو في زيارته الأخيرة قبل مدة لواشنطن.

3- الخيار السياسي الإقليمي: وهذا يخص لبنان، الذي تراه تل أبيب أكبر تهديد مباشر لها، المتمثل بإمتلاك حزب الله عشرات الآلاف من الصواريخ الجاهزة للإنطلاق نحو تل أبيب ووفق هذه الرؤية، لابد من زيادة حدة التهديدات إتجاه حزب الله لمنعه من الإنخراط في حرب ضد تل أبيب، وعلى هذا الأساس يترتب على تل أبيب أن توضح للإيرانيين بأن إطلاق الصواريخ من لبنان سيؤدي إلى خوض إسرائيل حرب شاملة ضد لبنان واستهداف كامل الأراضي اللبنانية، كما أن لا أحد من الفاعلين الدوليين والإقليميين يريد تدمير لبنان، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا فرنسا ولا السعودية ولا إيران ولا سوريا.

وهنا ستعمل إسرائيل على تكثيف هذه التهديدات وبث رسائل التصعيد التي هي أساسا مخاوف معتمدة على تأثير ونفوذ هذه الدول من أجل ضبط خيارات الوضع في لبنان، وتهدئة حزب الله وكلما هدأت الساحة اللبنانية تتفرغ تل أبيب لحصار إيران في سوريا.

4- الخيار الداخلي: المتمثل في تثبيت أوضاع الإستقرار مع حماس في غزة وهذا خيار نلمسه الآن وتراه تل أبيب بعدة توجهات تعمل عليها في قطاع غزة، فتل أبيب تريد التركيز على الحدود الشمالية المحتلة في محاذاة سوريا، ما يعني عدم الإنخراط في صراع مع حماس داخل القطاع، بل تحسين الوضع الإقتصادي في غزة، حتى ولو من خلال حكومة حماس، وهذه السياسة تعمل على تمييع المصالح الإيرانية مع حماس وتؤدي إلى تركيز المواجهة نحو سوريا لمنع سيناريو التموضع الإيراني الذي تعده تل أبيب أخطر سيناريو يمكن أن يهدد أمنها ويقوي ساحة حزب الله وحماس ويزيد المخاطر.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق