أن يختار مابين العزلة الدولية أو الإنفتاح الدبلوماسي، بدل التنافس لأنه سيقلق الداخل الذي يحتاج إلى إصلاحات إقتصادية حقيقية، وإلا فإن الوضع الداعم لبوتين قد لا يستمر طويلا. بوتين ما بعد الفوز سيكون وضعه السياسي مريح جدا في روسيا بالنظر إلى الشعبية التي حظي وأحيط بها...

فلاديمير بوتين، رجل روسيا القوي الذي يحكم بلاده بقبضة حديدية منذ ثمانية عشر عاما لن يجد أي صعوبة في إعادة إنتخابه، وشعبيته في ذروتها.

بوتين الذي يتهم بالدكتاتورية لو لم يكن جديرا بالحكم لما بقي فيه كل هذه السنوات، ولم يفز بولاية رابعة.. إنتخابات روسيا كانت على شاكلة إستفتاء شعبي لبوتين، وبالرغم من التشكيك بنزاهتها، لكن لا أحد ينكر أن بوتين بات محبوبا، وهذه النتائج شكلت مصدر قلق للغرب ولأمريكا.

لكن يتوجب على بوتين أن يتحلى بالشجاعة الحقيقية التي تكمن في تخليه عن نهجه التصادمي والتنافسي مع أمريكا والغرب وأن يعمل من أجل القضاء على الركود الإقتصادي داخل روسيا.

فعليه أن يختار مابين العزلة الدولية أو الإنفتاح الدبلوماسي، بدل التنافس لأنه سيقلق الداخل الذي يحتاج إلى إصلاحات إقتصادية حقيقية، وإلا فإن الوضع الداعم لبوتين قد لا يستمر طويلا.

بوتين ما بعد الفوز سيكون وضعه السياسي مريح جدا في روسيا بالنظر إلى الشعبية التي حظي وأحيط بها، هذه الصورة التي سجلها الروس بانتخاب بوتين سترغم الجميع أن يؤيدوه ولو بالقوة، إذ سينضم الجميع له خاصة في ظل معارضة ضعيفة ومنقسمة، كما أن الرئيس الروسي الفائز بولاية رابعة في إنتخابات حسمت وعرفت نتائجها سلفا، جاء بعد أن أضعف وقضى على كل معارضة ووضع المؤسسات والإعلام تحت إمرته، فهذا الطاغية المحبوب الذي يدوس على الحريات والإعلام والمعارضة سيثير مخاوف الداخل ويجمعهم حول قيادته، فالدكتاتورية لها بريقها وجاذبيتها، كما سيثير مخاوف الغرب، ولكن هذه المخاوف لا يمكن أن تؤثر على بوتين طالما يتمتع بشعبية ويحكم بقوة.

هنالك قناعة رسخها بوتين قبل الإنتخابات تقول: (إن واقع الحال في روسيا يعكس فرضية مفادها: إما بوتين أو الفوضى والعودة إلى مرحلة تفكك الإتحاد السوفيتي السابق). وهذه القناعة يشترك فيها العديد من القادة السلطويين المتمتعين بالشعبية فأقوى الديكتاتوريات هي الديكتاتوريات المنتخبة، كما أنها الأسوأ في الحقيقة.

أما ردود أفعال المجتمع الدولي مابعد فوز بوتين، تراوحت بين الصمت أو الترحيب والتهنئة والتصريح بتدشين شراكات مع روسيا أو استمرار الحوار والعلاقات بحذر.

وهذا كان موقف الصين التي وعدت بالإرتقاء بالعلاقات إلى أعلى مستوى إذ قال الرئيس الصيني تشي جينبينغ في رسالة إلى بوتين: "حاليا أن شراكة التعاون الإستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا في أفضل مستوياتها التاريخية، ما يشكل مثالا لبناء نوع جديد من العلاقات الدولية".‬

وهذا مؤشر إلى زواج مصلحة بين روسيا والصين في المرحلة الراهنة لمواجهة تحديات التنافس الغربي لكن لن يرقى هذا التقارب إلى مستوى تشكيل حلف مضاد للغرب.

أما إيران فقد هنأ الرئيس الإيراني محمد روحاني الرئيس بوتين على فوزه الساحق وتعهد تعزيز العلاقات الثنائية.

وقال روحاني كلنا أمل في أن تشهد العلاقات الإيرانية - الروسية مزيدا من التطور في المرحلة الجديدة، وهذا سياق طبيعي يعكس طبيعة التقارب بينهما في ملفات عديدة منها: الملف السوري والملف النووي الإيراني.

أما الرئيس السوري بشار الأسد فهنأ نظيره الروسي على فوزه في الإنتخابات الرئاسية، معتبراً إعادة إنتخابه لولاية جديدة نتيجة طبيعية لأدائه المتميز.

وقال الأسد: "إن حيازتكم على هذه الثقة الإستثنائية من الشعب الروسي نتيجة طبيعية لأدائكم الوطني المتميز، وخدمة مصلحة روسيا الإتحادية بكل كفاءة وإخلاص".

كما وجه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، برقية تهنئة لبوتين باسمه واسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية لبوتين ولشعب روسيا الإتحادية الصديق متمنيا المزيد من التقدم والإزدهار.

وهنأ الرئيس المصري والفنزويلي ورئيس الوزراء الياباني بوتين بفوزه بالإنتخابات.

أما المانيا فقد حذرت من فوز بوتين لكنها صرحت بأن روسيا ستبقى شريكا صعبا وهذا مؤشر لاستمرار العلاقات بينهما لكن بحذر، فقد أوضحت المانيا بأنه لا يمكن التحدث في كافة الجوانب مع روسيا في سياق منافسة سياسية نزيهة، فقد صرحت المانيا بأنه من غير المقبول أن تجري الإنتخابات في القرم، التي ضمتها روسيا من أوكرانيا قبل أربع سنوات ففي ذلك إنتهاك للقانون الدولي.

أما الموقف الفرنسي فجسده الرئيس إيمانويل ماكرون حينما اتصل بنظيره الروسي وتمنى له النجاح في التحديث السياسي والديموقراطي والإقتصادي والإجتماعي للبلاد.

وهذا بحد ذاته نقد للسياسات الروسية،‬ كما أن ماكرون تمسك باستمرار الحوار البناء بين روسيا وفرنسا وأوروبا كون هذا الحوار يجنب الصدام وهو ضروري لأوروبا ومن صالح روسيا كذلك.

أما بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية فلم تعلق على فوز بوتين وهي نتيجة متوقعة وطبيعية بعد أزمة محاولة إغتيال سيرغي سكريبال وطرد دبلوماسيين بشكل متبادل، وموضوع اصطفاف واشنطن مع لندن في هذا الملف دفع إلى تعقيد الأوضاع بين روسيا وواشنطن يضاف لها الخلاف الجيوسياسي في سوريا ومسألة أوكرانيا والتدخل في الإنتخابات الأمريكية واستمرار التحقيقات بهذا الشأن، لكن يبقى ترامب ليناً لغاية اللحظة إزاء روسيا وبوتين في عدم إتخاذه إجراءات مضادة أو خطاب تصعيدي رغم الضغوطات الداخلية عليه.

بوتين ربح الإنتخابات وان كانت هنالك خروقات وإقصاء للمعارضة ويحكم بشمولية ووضعه الإقتصادي متردي، لكنه نجح باعادة بعث إحساس الروس بأمجادهم السالفة، وأعاد لروسيا قيصريتها المفقودة وأرجع لها موقع قوى عظمى في الخارطة الدولية ووضعها في خانة المنافسة مع القوة العظمى الأولى وهي الولايات المتحدة، وبقيادة بوتين لروسيا الإتحادية أعيد صياغة النظام الدولي من جديد وبدأ يقوم على نظام التعددية القطبية على الصعيد العالمي، وترسخت روسيا كقوة كونية موازية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق