الإشارات والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني الاخير للحزب الشيوعي الصيني، ماتزال محط اهتمام واسع داخل وخارج الصين، خصوصا وان هذه القرارات قد شملت تغير بعض الشخصيات والقادة إضافة إلى بعض الخطط المستقبلة المهمة، وهو ما قد يسهم في تعزيز قدرات وجهود الدولة التي تسعى وبحسب بعض المراقبين، الى اجراء إصلاحات شاملة مع استمرار حملة مكافحة الفساد، وكشف مسؤول صيني كبير، أن عدداً من الأعضاء البارزين في الحزب الشيوعي تآمروا للاستيلاء على السلطة من الرئيس شي جين بينج، بحسب تقرير نشرته بي بي سي النسخة الإنجليزية. ومنذ تلك اللحظة، بحسب المسؤول الصيني، ألقي القبض على هؤلاء وسُجنوا في حملة واسعة النطاق ضد الفساد أطلقها شي.

وقد اعتبر خبير أمريكي بارز كما نقلت بعض المصادر، أن المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني «نقطة بداية تاريخية جديدة»، من شأنها أن تؤثر في الصين والعالم لعقود طويلة قادمة، في الوقت الذي توقف فيه مراقبون كثيرون عند خطاب الرئيس شي جين بينج، ليكتشفوا إشارات واضحة عن توثب صيني لاحتلال مركز أقرب إلى صدارة العالم في القرن الحادي والعشرين، بعدما أصبحت القطب الاقتصادي الثاني والقوة العسكرية الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا.

قال روبرت لورنس كون، رئيس مؤسسة كون الأمريكية، الذي حضر المؤتمر في بكين، إن الرئيس الصيني وضع رؤية جسورة ومهيبة لتنمية الصين المستقبلية والتي دون شك تمثّل أبرز النقاط في التقرير السياسي، مشيراً إلى أنه أقر في خطاب الافتتاح، سياسات لا ترتبط فقط بالأعوام الخمسة القادمة، وإنما صاغ أيضاً الأجندة للأعوام الثلاثين القادمة وحدد استراتيجياتها، ضمن تصور سيقود الصين لتصبح عام 2035 دولة اشتراكية حديثة عظيمة بحلول منتصف القرن مع نفوذ قيادي في العالم.

وبحسب الخبير الأمريكي، فإن المؤتمر كانت له أهمية خاصة، إذ يمثّل بدء فترة خمسة أعوام تلتقي فيها أهداف الكفاح عند حلول ذكرى المئويتين. وقال كون، مؤلف كتاب كيف يفكر قادة الصين»، إن توجهات الشعب ونهضة الدولة في السياق التاريخي للحضارة الصينية القديمة والنضال الطويل ضد الاضطهاد الأجنبي تشكل أساس التصور، الذي ينبني أيضاً على تعزيز مكافحة الفساد، والتوجه إلى التركيز المتزايد على الابتكار، كما سيتم العمل على التحديث العسكري وبناء القوة حتى تتحقق النهضة الكبرى. واعتبر الخبير الأمريكي أيضا أن

جين بينج، قدم سرداً ملحمياً لما حققته الصين على نحو لافت، وما الذي يتعين عليها القيام به وما الذي تتصور أنه ضروري لتصبح أمة عظيمة، ليستنتج أن الصين تقف بالفعل عند نقطة بداية تاريخية جديدة، وأن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تدخل عصراً جديداً، كما استنتج أن نفوذ المؤتمر الوطني ال19 للحزب الشيوعي الصيني وتأثير رؤية شي الجديدة وتفكيره واستراتيجياته، ستكون محسوسة على مدى العقود القادمة. وذكر شي أنه بعد تحليل شامل للأوضاع الدولية والمحلية والظروف التنموية لبلادنا، يمكن تقسيم الفترة من العام 2020 حتى أواسط القرن الحالي إلى مرحلتين، المرحلة الأولى تستمر من العام 2020 حتى العام 2035، خلالها سنحقق التحديثات الاشتراكية من حيث الأساس بعد خمس عشرة سنة أخرى من الكفاح على أساس إنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل. وقد أعلن الرئيس الصيني أن بلاده لن تسعى أبداً للهيمنة أو التوسع الخارجي، ولن تغلق أبواب انفتاحها على العالم الخارجي، في حين يؤكد متابعون أن الصين تفضل العمل في الخفاء لتحقيق أهدافها، وهي التي استطاعت في سنوات قليلة أن تمد نفوذها في كثير من المناطق أهمها إفريقيا.

ويقول سايمون هيل، في مجلة نيوزويك الأمريكية، إن الصين بدأت تتحوّل إلى قوة عظمى من حيث الأداء الاقتصادي، واستخدام التكنولوجيا، والنفوذ العسكري والدبلوماسي. ومع ذلك يعتقد بعض المعلقين أن من الأفضل عدم المبالغة في تقدير النفوذ العالمي الحالي للصين. وفي تقرير قدّمه إلى المؤتمر، أعلن الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينج أنه بعد جهود طويلة، دخلت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عصراً جديداً، وذلك يعد توجهاً تاريخياً جديداً للتنمية الصينية.

قيادة جديدة

وفي هذا الشأن أعلن الحزب الشيوعي الصيني التشكيل الجديد لقيادته المركزية تحت زعامة الرئيس شي جين بينغ لكنه خالف ما جرى عليه العرف في الآونة الأخيرة إذ لم تتضمن الاختيارات السبعة خليفة واضحا للرئيس. وإلى جانب شي كان لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة هو الوحيد الذي احتفظ بمنصبه وسط التغييرات واسعة النطاق للجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى مراتب السلطة في الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وجرت ترقية كل من لي تشان شو ووانغ يانغ ووانغ هو نينغ وتشاو له جي وهان تشنغ لينضموا إلى القيادة الجديدة محل خمسة أعضاء متقاعدين باللجنة من بينهم مسؤول مكافحة الفساد وانغ تشي شان وهو حليف كبير لشي. والأعضاء السبعة في العقد السابع من العمر لذا فللمرة الأولى لن تضم اللجنة الدائمة عضوا ولد قبل الثورة الشيوعية عام 1949. وكانت الأنظار في السابق تتجه إلى هو تشون هوا الأمين العام للحزب الشيوعي في إقليم قوانغدونغ وتشن مينر الأمين العام للحزب في تشونغتشينغ باعتبارهما منافسين بارزين لخلافة شي بين ما يعرف في الحزب بالجيل السادس للزعماء لكن لم يتم اختيارهما لعضوية اللجنة الدائمة بل أصبحا عضوين في المكتب السياسي، وهو مرتبة أدنى من اللجنة الدائمة في سلم القيادة والتي تضم 25 عضوا. بحسب رويترز.

وأسندت عضوية اللجنة الدائمة لكل من الرئيس ورئيس مجلس الدولة في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي عام 2007 مما أشار بوضوح إلى أنهما سيخلفان الرئيس السابق هو جين تاو ورئيس مجلس الدولة السابق ون جيا باو في القيادة وهذا هو ما حدث بعد ذلك بخمس سنوات. ويعتبر لي تشان شو الأقرب إلى شي بين المعينين حديثا في اللجنة الدائمة وسيصبح على الأرجح رئيس البرلمان الصيني وفقا لما يقوله محللون ومصادر. وسيعلن عمن سيتولى رئاسة البرلمان خلال الاجتماع السنوي له في مارس آذار. وأعلنت الصين أيضا عن تشكيلة جديدة للجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي وظل شيوي تشي ليانغ أحد نائبي رئيس اللجنة فيما أصبح تشانغ يو شيا، أحد المقربين من شي، النائب الآخر.

خمس نقاط مركزية

على صعيد متصل رصدت صحيفة الجارديان البريطانية، أهم خمس نقاط طرحها الرئيس تشي جين بينغ ضمن رؤيته للنهوض ببلاده. ويريد جين بينغ أولاً من الصين أن ترتفع على المسرح العالمي؛ حيث قدم عدة تعليقات موجهة إلى الرئيس الأمريكي، ووصف نفسه بأنه مناهض لدونالد ترامب من خلال إدانة العزلة، ودعم التعاون بين الدول. وقال: لا يمكن لبلد أن يتراجع إلى الجزيرة الخاصة به، وأننا نعيش في عالم مشترك، ونواجه مصيراً مشتركاً..

وثانياً، حذر بينغ من أن الحزب الشيوعي يواجه مجموعة متنوعة من التحديات، لا سيما الفساد؛ لكنه تضاعف من النظام قائلاً إن الصين لن تنسخ الأنظمة السياسية في الدول الأخرى في إشارة واضحة إلى أن قادة الصين ليس لهم أي اهتمام بالمفاهيم الغربية للديمقراطية. كما كشف النقاب عن مساهمته النظرية في الفكر الحزبي، والاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد. وفي ما يتعلق بالفساد، وعد بقوانين جديدة لمعالجة المشكلة؛ حيث يتم التعامل مع قضايا الكسب غير المشروع حالياً من خلال عملية حزبية داخلية غامضة.

وثالثاً، وعلى نطاق المناطق التي تتطلع للاستقلال تناول جين بينغ في المقام الأول تايوان، التي لا تعترف حكومة الصين بها، وقال: لن نتسامح مع أي شخص باستخدام أي وسيلة في أي وقت لفصل شبر واحد من الأرض عن الصين. ورابعاً تعهد أيضاً بتحويل الصين إلى دولة ابتكارية تركز على الفضاء والفضاء السيبراني والنقل. ووعد بزيادة فرص وصول الشركات الأجنبية إلى الأسواق، وزيادة دور الأسواق في النظام المالي وسعر الصرف؛ لكن يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الخطاب سيترجم إلى سياسات ملموسة. وكجزء من صنع الصين دولة عظيمة، قضى جين بينغ الكثير من الوقت في معالجة القضايا البيئية. وخامساً تعهد ببناء «الصين الجميلة» ببيئة نظيفة وشركات التكنولوجيا الفائقة والحكومة المتجاوبة.

مبادرة الحزام والطريق

من جهة اخرى وعلى غير المتوقع، أدرج الحزب الشيوعي مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ ”الحزام والطريق“ لمشروعات التنمية في ميثاقه مما يعطي المبادرة ثقلا سياسيا أكبر ويكثف الضغوط لإنجاحها. وتعهد الميثاق المعدل للحزب في ختام مؤتمره ”بتنفيذ مبادرة الحزام والطريق“ في إشارة أخرى على اتساع نفوذ شي ودليل آخر على أن المبادرة الطموحة المماثلة ”لطريق الحرير“ ستستمر حتى بعد انتهاء فترة ولاية شي.

ويقول محللون إن ذلك يؤكد أيضا تنامي اهتمام الحزب الشيوعي بالسياسة الخارجية ويعكس رغبة شي المتزايدة في اضطلاع الصين بدور قيادي عالمي. وقال بيتر كاي الزميل غير المقيم بمعهد لوي في سيدني ”الجميع يعلم أن (مبادرة) الحزام والطريق مهمة جدا بالنسبة لشي تحمل ختمه الشخصي ومدعومة بسلطته“. وأضاف ”لكن أن تكتب سياسة مهمة، خاصة لو كانت سياسة تتعلق بارتباطات خارجية في دستور الحزب، على الأقل في التاريخ الحديث، هو أمر له مغزى كبير“.

والخطة التي ذكرها شي لأول مرة في كلمة ألقاها أمام طلاب في قازاخستان عام 2013 تعد وسيلة تضطلع من خلالها الصين بدور أكبر على الساحة الدولية بتمويل وبناء شبكات مواصلات وتجارة عالمية في أكثر من 60 دولة. وعمل شي على الترويج للمبادرة بشكل مكثف ودعا زعماء العالم إلى بكين في مايو أيار لقمة افتتاحية تعهد خلالها بمبلغ 124 مليار دولار لتمويل الخطة.

وهرعت حكومات صينية محلية إضافة إلى دول وشركات خاصة لعرض دعمها بالاستثمار في الخارج وتقديم القروض. ويقول بعض النقاد إن الصين تصدر فائض طاقتها الصناعية لمد نفوذها وإن المبادرة التي تشمل تحميل دول نامية ديونا ثقيلة تحتاج لمعايير عالية للحوكمة والشفافية. قال راجيف بيسواس كبير الاقتصاديين المختص بمنطقة آسيا والمحيط الهادي لدى آي.اتش.اس ماركت ”قطعت الصين تعهدات والتزامات للعديد من الدول النامية وستستغرق عشر سنوات أو أكثر لاستكمال المبادرة“. وأضاف ”عزز ذلك أيضا القوة الناعمة للصين عالميا فليس منطقيا بالنسبة للصين أن تنسحب فجأة من كل ذلك“.بحسب رويترز.

وقال محللون آخرون إن إدراج المبادرة في ميثاق الحزب قد يكون سلاحا ذو حدين يكثف الضغوط لإنجاح المبادرة التي ما زالت مجرد خطوط عريضة تترك الكثير للاجتهاد في التفسير. وقال دالي يانج الأستاذ بجامعة شيكاجو ”خطر تسليط الضوء عليها بدرجة أكبر هو أن المزيد من هذه الجهود ستبذل فعلا ... بشكل سياسي بدلا من أن تبذل بناء على دراسة متأنية للتكاليف والمزايا لكل جزء مما يجري تنفيذه“.

دراسة الرأسمالية

الى جانب ذلك قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه يجب على أعضاء الحزب الشيوعي دراسة الرأسمالية المعاصرة ولكنهم عليهم ألا ينحرفوا على الإطلاق عن الماركسية معطيا إشارة واضحة إلى أنه لن يكون هناك إضعاف لسيطرة الحزب. ولا يتساهل الحزب مع أي تحد لحكمه ويشرف شي على حملة صارمة على المجتمع المدني منذ توليه السلطة قبل خمس سنوات تقريبا حيث شدد سيطرة الحزب على الانترنت ووسائل الإعلام والبنية الأساسية الأمنية واعتقل محامين حقوقيين ومعارضين.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شي قوله في جلسة دراسية بالمكتب السياسي للحزب إنه على الرغم من تغير الزمان وتطور المجتمع فإن المبادئ الأساسية للماركسية مازالت صحيحة. وقال “إذا انحرفنا أو تخلينا عن الماركسية فإن حزبنا سيفقد روحه وتوجهه. ”فيما يتعلق بالقضية الأساسية المتعلقة بتعزيز الدور القيادي للماركسية فعلينا التمسك بعزيمة راسخة وعدم التذبذب في أي وقت أو تحت أي ظروف“.بحسب فرانس برس.

وقال إنه يجب على الحزب أن يحسن دمج المبادئ الأساسية للماركسية في ”واقع الصين المعاصر والتعلم من إنجازات الحضارات الأخرى لخلق وتطوير الماركسية.“ وقال التقرير إن ”شي طلب أيضا من أعضاء الحزب دراسة الرأسمالية المعاصرة ووجودها وأنماطها“.وحولت الصين اقتصادها منذ أن بدأت إصلاحات تاريخية في أواخر السبعينات وهي الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ويجري الآن دعم وتشجيع الشركات الخاصة ولكن القطاع المملوك للدولة مازال محركا رئيسيا للنمو والاستثمار على الرغم من أن بعض الصناعات مثل صناعة الحديد والصلب تعاني من ارتفاع مستويات الإنتاج الفائض بشكل مثير للقلق. وقال شي إنه يجب على الحزب أن يطور باستمرار الاشتراكية بالسمات الصينية وأن يعزز باستمرار القوة الوطنية الصينية الشاملة وأن يظهر بشكل كامل مزايا النظام الاشتراكي للصين.

اضف تعليق