q
يتزايد اهتمام الشباب العراقيين بالقطاع الرقمي بِعَّدِهِ مجالاً محتملاً للتوظيف؛ فهم يدركون أن معظم الشركات تحتاج إلى قدرات رقمية لتعزيز نموها. لذلك فهم متحمسون لاكتساب المهارات التي تتطلبها السوق الحديثة. عموماً، يتمتع القطاع الرقمي العراقي بإمكانية تحقيق نمو كبير في السنوات القادمة، مما سيساعد في تحول البلد، لكن...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث جلسة حوارية تحت عنوان (دور التحول الرقمي في استثمار الشباب)، وحضر الندوة مجموعة من الكتاب والمفكرين والأكاديميين الذين ناقشوا مضامين وأفكار الورقة البحثية التي قدمها الباحث محمد علاء الصافي وجاء فيها:

"أصبح من المؤكد أن للقطاع الرقمي القدرة على تحقيق فائدة عظيمة للأفراد والشركات والاقتصادات بأكملها، فالرقمنة تسهل الوصول إلى المعلومات والخدمات على المستويين الفردي والتجاري، وتعزز النمو الاقتصادي وتخلق فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها.

في عالم اليوم المترابط على نحو متزايد، يوجه القطاع الرقمي عملية الابتكار والتنافس في جميع أنحاء العالم، ويؤدّي دوراً مهماً في تشكيل الطريقة التي تعمل بها المجتمعات. وفي خضم هذا التقدم التكنولوجي، لا ينبغي ترك العراق متخلفاً عن الركب.

على الرغم من التطور المتنامي والعدد المتزايد من الشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال التكنولوجيا، يواجه القطاع الرقمي العراقي العديد من العقبات، أبرزها عدم وجود هياكل دعم حكومية ومحدودية الوصول إلى القروض أو رأس المال من المستثمرين. وفقاً لـ "تقرير ممارسة أنشطة الأعمال" الصادر عن البنك الدولي، جاء العراق في عام 2021 في المرتبة 160 من أصل 190 دولة، مما يشير إلى أنه مكان مليء بالمُعَوِّقات والمُعَرقِلات لممارسة الأعمال التجارية، ويصعُب فيه الحصول على ممولين عراقيين أو أجانب للاستثمارات، وهذا يُعسِر نمو الشركات الناشئة وتطور بيئة الأعمال.

يتزايد اهتمام الشباب العراقيين بالقطاع الرقمي بِعَّدِهِ مجالاً محتملاً للتوظيف؛ فهم يدركون أن معظم الشركات تحتاج إلى قدرات رقمية لتعزيز نموها. لذلك فهم متحمسون لاكتساب المهارات التي تتطلبها السوق الحديثة. عموماً، يتمتع القطاع الرقمي العراقي بإمكانية تحقيق نمو كبير في السنوات القادمة، مما سيساعد في تحول البلد، لكن لا زالت متطلبات سوق العمل العراقية كبيرة وهناك مشكلة كبيرة في مهارات الخريجين الداخلين في سوق العمل بنسبة كبيرة وهذا يحتاج المزيد من شركات القطاع الخاص او التوجه الحكومي الداعم في مجال التدريب والتطوير والتهيئة للشباب العراقي وهذا يجب أن يكون من أهم خطوات المنهاج الوزاري للحكومة.

هناك العديد من المشاريع المدعومة من برامج دولية تركز على جانب التدريب والتطوير على المهارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وريادة الأعمال والمهارات الشخصية، وبالتالي خلق فرص عمل لرواد الأعمال والباحثين عن عمل على حد سواء، وهنا يجب أن تقدم الحكومة مزيد من التسهيلات والتعاون للإستفادة من المنح والمشاريع الدولية لتطوير قدرات الشباب وفي نفس الوقت تقليل الكثير من النفقات الحكومية في هذا المجال.

يقول مستشار الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) ستيفن شنيتجر في مشروع "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT)في العراق: "يُظهِرُ القطاع الرقمي العراقي نمواً ديناميكياً، مما يساهم ليس فقط في خلق فرص العمل ولكن أيضاً في تنويع القطاع الخاص الذي تشتد الحاجة إليه. ومع ذلك، فإن الاستفادة من هذه الإمكانات تتطلب أيضاً التزام صانعي القرار السياسي لضمان عدم تخلف العراق عن الركب، لذلك، نتطلع إلى مواصلة عملنا مع الشركاء العراقيين لتسريع التحول الرقمي في البلاد".

فتحت التطورات الرقمية إمكانات وفرصاً كبيرة أمام الشباب الذين انجذبوا بشكل مكثف لتوظيف هذه التقنيات، واستثمارها في التواصل والتأثير والتعلّم وإثبات الذات.

لا تخفى التطورات المذهلة التي طالت مختلف المجالات والميادين مع التكنولوجيا الرقمية، وتأثيراتها المتسارعة داخل المجتمعات، حيث أصبحت الكثير من الدول توظف هذه التقنيات في تعزيز جهود التنمية، وفي تدبير الكوارث والأزمات، وهو ما تأكد بشكل واضح خلال جائحة كورونا.

وقد أتاحت هذه التقنيات أيضاً تعزيز حوكمة العمل الإداري وتطويره، وتقريب الخدمات الإدارية من المواطن، ورقمنة الكثير من المعاملات. وتقدم التكنولوجيا الحديثة فرصاً حقيقية لتطوير منظومة التعليم منهجاً ومضموناً ومخرجات، وهو ما شجع على اللجوء إلى التعليم عن بعد، وهي العمليّة التي استفاد منها الملايين من الطلاب عبر توظيف برامج وتقنيات متطورة، بشكل يتجاوز المكان والزمان، ما مكّن من نقل المعارف والعلوم إلى مناطق نائية.

كما يقدم التطور الرقمي فرصاً أمام الشباب لأجل تطوير المهارات والمواهب الإبداعية، بما يسمح لهم باقتحام سوق العمل بكل ثقة. وتشير التقارير والمعطيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تربط بين ما يناهز نصف سكان العالم بالكامل، ما يعزز التواصل بين الشعوب، ويسهم في نشر المعارف والعلوم وتبادل الثقافات والمعلومات المختلفة.

كما يقدم التطور الرقمي فرصاً أمام الشباب لأجل تطوير المهارات والمواهب الإبداعية، بما يسمح لهم باقتحام سوق الشغل بكل ثقة. وتشير التقارير والمعطيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تربط بين ما يناهز نصف سكان العالم بالكامل، ما يعزز التواصل بين الشعوب، ويسهم في نشر المعارف والعلوم وتبادل الثقافات والمعلومات المختلفة.

لقد استطاع الكثير من الشباب أن يوظف التطورات الرقمية بصورة بناءة، رغم وجود بعض الانحرافات أحياناً، فمع اندلاع ما يسمى بـ «الربيع العربي» في عام 2011، كان لشبكات التواصل الاجتماعي أثر كبير في تحويل أنظار العالم إلى معاناة عدد من شعوب المنطقة، بعدما انتقلت من مجرد قنوات للتواصل إلى آليات للضغط والتأثير، وأصبح بإمكان كل شاب يحمل هاتفاً ذكياً متصلاً بشبكة الإنترنت، أن يكسر التعتيم الذي ظل يرافق عدداً من الاحتجاجات التي برزت في سياقات سابقة.

كما نجح الكثير من الشباب في إحداث مقاولات ناجحة، وتمكّن آخرون من توظيف البرامج الرقمية في تعزيز كفاءاتهم وخبراتهم في عدد من المجالات كاكتساب اللغات الأجنبية، والتعلم عن بعد، وصناعة المحتويات الرقمية، واستثمار الذكاء الاصطناعي في إعطاء دفعة قوية لعدد من المهن كالهندسة، والطب، والسينما، والرسم والإعلام.

تجارب عراقية كثيرة جعلت من التحول الرقمي واقعاً نعيشه من خلال مئات التطبيقات والمنصات التعليمية والاقتصادية في مجالات التبادل التجاري وبيع المنتجات وتطبيقات الخدمات العامة والتوصيل والاتصالات ووسائل الترفيه وحتى المجال السياحي مؤخراً، توفر هذه المنصات الاف فرص العمل رغم انها تصطدم بالكثير من العراقيل والتخلف الحكومي الذي لا يتناسب مع هذا التحول.

أهم التحديات التي تواجه التحول الرقمي في العراق هو النظام التعليمي، ما يزال النظام التعليمي في العراق متأخراً. ولا يؤمن 64٪ من العراقيين بأن نظام التعليم يزودهم بالمهارات المناسبة للعمل في القطاع الخاص.

كما أنه يفترض العديد من الموظفين أن وجود التكنولوجيا سيجعلهم غير مُجْدِين ولا حاجة لهم. وهذا التخوف معقول ومنطقي، إذ إنّ سوق التوظيف بشكل عام يبتعد عن الوظائف التي تتطلب مهارات سهلة وبسيطة وعن المهام ذات المحتوى العالي الروتين التي يمكن أتمتتها.

البنى التحتية لا زالت ضعيفة في دعم التحول الرقمي، حيث تشمل أدوات وتقنيات التحوُّل الرقمي -على سبيل المثال لا الحصر- إنترنت الأشياء وتحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. لقد زوَّدت شبكات واي-فاي العامة و5G من وصول المستخدمين إلى الأجهزة المحمولة، إلى جانب البساطة النسبية لتحويل الأموال الرقمية وهذه أشياء تبدو مفقودة وبعيدة التحقق خاصة ان الإجراءات الحكومية تعسفية بالسيطرة على كل المشاريع والملف الاقتصادي والتحكم التام بهذا الملف يعيق التحول الرقمي بشكل كبير.

وبعد أن أنهى الباحث قراءة ورقته البحثية، تم فتح باب النقاش للحاضرين، عبر طرح السؤالين التاليين على المشاركين في الندوة:

السؤال الأول: كيف يؤثر فشل التحول الرقمي في العراق على الشباب؟

السؤال الثاني: كيف يؤدي التحول الرقمي الى تطوير مهارات الشباب وإيجاد فرص العمل؟

المداخلات

- الدكتور خالد العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والبحوث والدراسات:

إذا أردنا أن نضبط موضوع التحول الرقمي مع الوضع العراقي، فعلينا أن نعرف بأن العراق لا يزال يعاني من الأمية الرقمية، التي تمنعه من أن يكون نموذجا جيدا، في قضية التحول الرقمي، لا يزال أمامه وقت طويل كي يصل إلى وصل إليه العالم، ولذلك نلاحظ أن دوائرنا الرسمية لا زالت ورقية، فلا زالت تعمل بطريقة تقليدية في تقديم الخدمات للمواطنين وهي خدمات بدائية.

حتى الرسوم والضرائب وهي التي تتعلق بالجباية للدولة لا زالت محدودة للغاية، بسبب تأخر العراق في مجال التحول الرقمي، علما إن التحول الرقمي هو مهم جدا، وكما نقول أنه قدر لابد منه، وسوف يتطور أكثر وأكثر، ولكن هذا الأمر له جوانب إيجابية وجوانب سلبية، وقبل أن أتكلم عن الجوانب الإيجابية والسلبية أشد على يد مقدّم هذه الورقة البحثية، حيث أشار أنه في العراق لا يتم تزويد الشباب بالمهارات الرقمية.

أما النظام التعليمي الموجود لدينا، فإنه متأخر في هذا الجانب بنسبة 80%، ولا يزود الشباب بالمهارات الوظيفية الملائمة، ولذلك حين يتخرج الشباب فإن مهاراتهم المهنية غير كافية، وقاصرة عن تزويدهم بمهارات وظيفية جيدة تنسجم مع سوق العمل، وهذا يحتاج الى نشاط آخر في مركزكم أو في مركز آخر.

أما من حيث الجوانب الإيجابية فنجد أن التحول الرقمي يوفر الكثير من الفرص حتى يعملون في السوق الرقمي، كذلك قضية التعليم والتدريب مهمة، فمن خلال التدريب والتعليم يستطيع الشباب أن يكتسبوا مهارات جديدة بسهولة، هي أفضل المهارات التي استطاع أن يكتسبها الجيل الحالي، فهذا الجيل قادر على أن يكتسب دورا مهما، ولو أراد أن يكتسب المهارات العلمية التطويرية الضرورية، أعتقد أنه يمكن أن يكتسب ذلك بسهولة من خلال هذه المهارات.

كذلك في مواقع التواصل، فإنه يفتح أبواب كبيرة للتحوّل والتواصل الرقمي، بين الشباب، سواء داخل أو خارج العراق، طبعا يعطي قدرة كبيرة للتخلص من الثقافة المنغلقة، ويستطيع الشباب التواصل مع الشعوب الأخرى، في نفس الوقت هناك جوانب سلبية يتسبب بها التحول الرقمي، والتي تسمى حاليا بـ البطالة التكنولوجية، فكلما يزداد التحول الرقمي مثل الأتمتة، والذكاء الصناعي، فهذا يبدأ يوفر فرص عمل للشباب كانوا يطمحون بها.

أيضا الانقسام الرقمي، وهو يعني أنه ليس الشباب كلهم يحصلون على فرص متساوية في سوق العمل، لذلك فإن بعض الشباب تكون قدراتهم أو أدواتهم بدائية، فإن مثل هذا الشاب لا يستطيع أن ينخرط في السوق بسهولة، أو يتمتع بإمكانيات التحول الرقمي، لذلك ربما يكون هناك فوارق بين الشباب أنفسهم في قضية التحول الرقمي.

ويمكن أن نشبّه هذا الشيء بالتحوّل التعليمي، فمن كان يحصل على فرصة للتعلم ينجح، وعكسه فإنه سوف لا يتقن التحوّل، لذلك فإن هؤلاء الشباب لا يمكن بلوغ أهدافهم إذا لم تتوفر لهم المساعدة اللازمة وذد ذكر الباحث هذه النقطة في ورقته، لاسيما فيما يتعلق بالتحديات الأمنية والتجاوز على الخصوصية، والابتزاز الإلكتروني ونحن نلاحظ ذلك بشكل واضح.

فالتحديات التي تواجه الخصوصية واضحة في الواقع، وانتشار البيانات الشخصية في العالم، وهناك جانب مهم في التحول الرقمي الذي يخلق ما يسمى بالعزلة الاجتماعية والابتعاد عن الواقع، حيث تصبح هنالك حالة من العزلة الاجتماعية يمكن أن تسمى بالتوحّد الرقمي، حيث ينشغل الشباب في الفضاء الإلكتروني، ويتواصلون مع شباب آخرين يعيشون في بلدان ومدن أخرى في طوكيو أو في نيويورك أو في بروكسل، ولكن هو غير مهتم بالتواصل مع شباب من جيرانه أو أقاربه.

وهذا يتسبب في حدوث حالات التوحّد الرقمي، وهذه مشكلة أيضا تحد من قدرته على معرفة المشاكل الاجتماعية، وقدرته على حلها محدودة وضعيفة، وأيضا إدراكه لهذه المشاكل يكون محدودا. وفي نفس الوقت لربما تكون توقعاته للحياة وللعالم مختلفة، لأنه بناها على توقعات افتراضية، لا تنسجم مع الواقع، هذه طبعا الأمور المهمة التي يجب علينا أن ندركها.

فيما يتعلق بالعراق، أعود وأقول أن هذه التحديات من الممكن أن تنعكس على البيئة العراقية، واليوم نحن نلاحظ بعضها موجودة في البيئة العراقية، ولكن نحن ما زلنا متخلفين في هذا المجال، يحتاج الأمر إلى وقت حتى نصل إلى إمكانية التحوّل الرقمي، وإذا وصلنا له أعتقد ما لم نكن مستعدين من ناحية الوعي والإدراك، ليس عند الشباب فقط وإنما عند المجتمع أيضا، فسوف تكون هذه التحديات التي نتحدث لها سوف تكون متضخمة أكثر وأكثر في البيئة العراقية.

- الباحث عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث:

كيف نستطيع أن نقيس قضية نشر التحول الرقمي، ما هو مقياس الذي يفشل في هذا الجانب أو ينجح فيه؟ في العراق لم يحدث التحوّل الحقيقي نحو الحوكمة والرقمنة بشكل صحيح.

بدء من الحكومة العراقية، وانتهاءً بالمؤسسات، حيث يحدث هذا الشيء في بعض الشركات سواء برغبتها أو انسجاما مع تعاملاتها الخارجية، لكن بشكل واضح ما زلنا نعيش الحكومة الأمية التي تعتمد الورقة والقلم، والدليل على ذلك أن أبسط معاملة الآن تجد أنها تتكون من كم هائل من الأوراق والتوقيعات ومراجعتها لكي تكتمل معاملتك، بالنتيجة فإن الشباب اليوم والناس هم مقلدون لما يجدون، وهم أتباع لمن يحكمهم.

فإذا كانت الدولة أو الحكومة قاصرة عن تنفيذ هذا البرنامج بشكل حقيقي، وهذا طبعا موجود كما يعرف الأخوة الموظفون هذا الجانب، هناك برامج كثيرة لتسهيل إجراءات البرامج الحكومية وتقليص الروتين والانتقال إلى الحوكمة، لكن كلّها ما زالت تجارب بسيطة تسير على حياء، ولحد الآن نفس الموظف الذي اصدر لك كتاب صحة صدور تذهب للتعامل معه فيطلب منك أن تجلب له كتابا ورقيا. فلا زلنا لم نعش الدور الحقيقي في قضية الاستثمار الرقمي والحوكمة.

فبالنتيجة إذا كان هذا الموضوع يتعلق بأصحاب القرار وأصحاب التعاملات، سواء الحكومية أو المنظمات أو الجهات التجارية، يقينا أن الشباب لا يذهبون في هذا الاتجاه إذا لم يشعر الشاب بأن الرقمنة أصبحت جزء من حياته أو يستخدمها جزء للترفيه أو جزء متمم للحياة وليس جزءا أساسيا، فإن أغلب الشباب ينظرون إلى قضية التحول الرقمي على أنها مجرد فسحة وهروب من العالم الحقيقي، من البطالة، من ضيق العيش، من الظلامات التي تحصل في قضية فرص العمل وعدم التكافؤ وغيرها.

لذلك تلاحظ أن أغلب الشباب وخاصة المتواجدين منهم في المقاهي تجد أن كل واحد منهم مشغول بالهاتف، لكنه لا يبحث عن شيء حقيقي أو مفيد، وإنما يبحث عن شيء مسلٍّ لكي يقضي فيه وقته، لذلك هو لم يجد له برنامج حقيقي حتى يتفاعل معه ويجعل منه هدفا له ويتابعه، هذا ما يتعلق بالجواب عن السؤال الأول.

أما الاجابة عن السؤال الثاني، كيف يساعد التحول الرقمي على زيادة مهارات الشباب، نلاحظ أن شبابنا توجد لديهم القدرة على العمل في الهواتف الرقمية والشبكات الإلكترونية أكثر منّا، من حيث الاستخدام، لكنه بالنتيجة ليس عنده بوصلة معينة يعمل في ضوئها، أو لا يوجد عنده برنامج معين، لا من حكومة ولا من منظمات مجتمع مدني، لأنه يجب أن ننتقد أنفسنا أيضا وليس الحكومة وحدها، لأن البناء من مسؤولية الجميع، ولا المؤسسات تعين الشباب بالبرامج ولا حتى المدارس.

توجد لدينا اليوم كفاءات جيدة من طلابنا لكن لا يوجد برنامج في المدارس يتماشى مع قدرات هؤلاء الطلاب، وتوجيههم كيف يستخدمون الجانب الرقمي أو في أي مجال، في الآونة الأخيرة والشيء بالشيء يذكر، يمكن أن نتحدث عن مادة الدرس الفرنسي وحدث عنها لغط ولمن نستخدمها، فتم إلغاء هذه المادة في بعض المدارس وتحولت إلى مادة الاكسفورد، أو مادة المحادثة في بعض المدارس الابتدائية، هذا تطور جيد.

من الممكن أن هذا الموضوع نفسه يشكل موضوع أساسي ساند في قضية تطوير الطلبة، ويمكن أن يبدأ ذلك منذ الطفولة (فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر)، فيمكن أن يسير مع البرنامج التعليمي منذ صغره، إلى أن يصبح شابا مؤهلا يمكن أن يستفيد من التحول الرقمي واستثماره في بناء الحياة.

- الدكتور علاء الحسيني، أكاديمي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

هنالك أسباب كثيرة أدت إلى تعثّر التحول الرقمي في العراق، لا نتكلم عن المستوى الرسمي أو دوائر الدولة ووزاراتها، وإنما نتحدث حتى عن القطاع الخاص الذي لم يواكب هذا التحول بشكل كبير، بدليل أن المصارف الأهلية اليوم مثلا، والشركات الخاصة لم تستطع أن تلج هذا الوسط المهم وتقدم خدماتها وتسوق نفسها وتسوق خدماتها من خلال التحول الرقمي الحقيقي، وإنما اعتمدت في كثير من الأحيان نفس الوسائل والأساليب التي تُتّبع في الجانب الحكومي.

حاول مجلس الوزراء أن يحرك المياه الراكدة في كثير من الأحيان، واتخذ قرارات مهمة في هذا المجال، آخرها قضية الدفع الإلكتروني في أجهزة الـ (بي أو أس)، وكذلك قبلها خطوة التحول الكامل بتوطين رواتب الموظفين وما شاكل ذلك.

هذه القرارات وإن كانت لم تُبنَ ضمن استراتيجية واضحة وكذلك خطوات مدروسة، لكن أتت إلى حد ما بفوائد كبيرة في هذا الموضوع، نحن نتحدث عن مشكلة كبيرة وهي كيف يستفيد الشاب من التحول الرقمي؟، لأن الأمثلة التي أعطيناها قبل قليل لا يستفيد منها الشاب، إنما يستفيد الشاب من التحولات الرقمية التي يمكن أن تربطه بسوق العمل المستقبلي، كما ألمحت إلى ذلك الورقة البحثية.

عندما نستعرض مثلا الواقع العراقي، في هذا المجال، نقول إن دخول العراق في عالم الرقمنة والتقنيات التكنولوجية الحديثة وإن مضت عليها عشرات السنين، لكن لا يزال العراق متخلف في هذا المجال في كثير من الجوانب وكثير من المتطلبات التي يحتاج لها.

وحين نقول اليوم ما سبب تخلف بعض دوائر الدولة عن ركب التطور التكنولوجي الحديث، يطالعنا أول سبب في ذلك هو التنمية الإدارية نجدها مفقودة في العراق، فلكي نحقق التنمية الإدارية نحتاج أن نزج الموظفين في دورات تدريبية، وعند ارسال أي موظف في دورة صغيرة، أول معوّق هو التمويل، حيث لا يوجد التمويل المطلوب، وموازنة الدولة تُبنى وموازنة دوائر الدولة تُبنى ولا يوجد فيها باب الإنفاق على التدريب ولو بدينار واحد.

وإنما كل الأموال يتم رصدها للرواتب وسد العجز في مجال الأجور وما شاكل ذلك، كذلك فإن تحديث البنية الأساسية لدوائر الدولة مفقودة إلى حد كبير، ولذلك نلاحظ اليوم أن مستشفياتنا عاجزة عن منافسة المستشفيات الأهلية، في اقتناء الأجهزة الطبية الحديثة، أو التقنيات الطبية الحديثة وما شاكل ذلك.

فهذا الأمر انعكس على الجهات التي من المفترض أن تدعم جهود التحول الرقمي، وعلى رأسها هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، فهذه الهيئة إلى اليوم هويتها الرسمية غير واضحة المعالم، فهي بموجب الدستور يفترض أن ترتبط بمجلس النواب، وتخضع لرقابة هذا المجلس، لكن هيئة الإعلام والاتصالات لا زالت تربط نفسها إلى حد كبير بوزارة الاتصالات وكذلك بمجلس الوزراء العراقي.

في حين أنها هيئة مستقلة يُفترض أن تعمل على تحقيق مسألة التحول الرقمي، لكن إلى اليوم لم نجد مثلا الانترنيت المجاني في الشوارع وفي الساحات وفي الباحات العامة حتى يمكن أن نستفيد من هذه التقنيات، وإلى اليوم لم نجد مثلا تحولا حقيقيا في وسائل وأساليب تقديم الخدمات، وأقصد ليس الخدمات الحكومية فقط، وإنما الخدمات العامة.

وإلى اليوم أنت تحتاج لكي تراجع طبيبا لابد أن تذهب إلى الطبيب بشكل شخصي، أو تراجع عيادته بشكل شخصي، دون أن يكون هناك إحدى الوسائل للحجز أو وسيلة للتواصل مع مكتب أو استعلامات يقوم بمثل هذه الخدمات، يعني على مستوى القطاع الخاص لا تزال هنالك صعوبات جمة تواجه ليس الشاب فقط، وإنما كل شخص يريد أن يتبع بعض الوسائل والأساليب التقنية الحديثة.

على مستوى دوائر الدولة ذكرنا بأن التنمية الإدارية مفتقدة، لأنه لا يوجد تدريب ولا يوجد تمويل ولا توجد البنى التحتية اللازمة لتحقيق التحول الرقمي في طريقة إدارة دوائر الدولة، ونفس المشكلة انعكست على القطاع الخاص وشركاته، وقضية تقديم خدماتها إلى المواطن العراقي، وقد أطلقت الحكومة مبادرتين في هذه الفترة، المبادرة الأولى أطلقها مجلس الوزراء وهي (ريادة)، وكذلك وزارة العمل أطلقت منصة خاصة بالمهن.

هاتان المنصتان أو هتان المبادرتان حقيقة وللأمانة، حققتا بعض الانجازات الملموسة، على أرض الواقع، وبدأت تنقل الشاب نحو القطاع الخاص، ولو تدريجيا لأنها قدمت قروضا بفوائد ميسرة للشباب وكذلك قدمت بعض التعريف بفرص العمل في القطاع الخاص، فهذه المبادرتان تحتاجان إلى الدعم من بقية الفعاليات وليس الحكومة فقط هي المطالَبة بالتعريف بالقطاع الخاص، وإنما القطاع الخاص نفسه يجب أن يعرف نفسه بنفسه إلى الناس، وهو الذي يقدم خدماته بشكل مباشر إلى الشباب.

كذلك اتجهت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الآونة الأخيرة إلى الكليات التخصصية، ونحو الأقسام المتخصصة، يعني لو أننا نطالع الجامعة التكنولوجية فقط، سوف نجد فيها الآن قرابة ست كليا وأقسام خاصة بتقنيات الاتصال والشبكات، فهذه تمثل نقلو نوعية حقيقة على مستوى جامعة واحدة من جامعات العراق.

على مستوى جامعات كربلاء أيضا، هناك الكثير من الأقسام التي استحدثت في كلية الهندسة وكلية العلوم وتكنولوجيا المعلومات، وكلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات، وكثير من الكليات التي تمهد اليوم الطريق نحو إعداد ما يمكن أن نسميها بالقوة العاملة اللازمة للتحول الرقمي وهي موجودة في حقيقة الأمر، لكن الصعوبات التي ألمحنا لها قبل قليل، وأعني قضية التعريف بالقطاع الخاص والفرص الموجودة في هذا القطاع وكذلك الضمانات التي أصبحت موجودة في القطاع الخاص وهي تضاهي غيرها إذا لم تكن أفضل من القطاع العام.

وآخرها قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال، وتم إعلانه قبل أيام وتم نشره في الوقائع العراقية، واصبح العامل في القطاع الخاص من حقه الحصول على الراتب التقاعدي حاله حال موظف الدولة، وبالتالي هذه كلها عمل من الجانب الرسمي الحكومي، ولا تقابلها استجابة حقيقية لا من الشاب نفسه حتى يطور قدراته وإمكانياته، ولا من القطاع الخاص ولا كذلك من الجهات التي يمكن أن نسميها المحايدة والتي هي مثلا مراكز البحث والمنظمات غير الحكومية.

لذلك أتصور وأقولها هنا للأمانة، أن الجانب الحكومي قام بما عليه، وحسب المتاح له وحسب إمكانياته في هذا الجانب فقط، أما الجهات الأخرى ولاسيما الشاب نفسه وكذلك القطاع الخاص، فلم يقوما بما يلزم في هذا الشأن.

- الشيخ مرتضى معاش:

التحول الرقمي والتكنولوجي يؤثر تأثيرا كبيرا على التطور الاقتصادي والتحول أو التغيير الاجتماعي، فإذا كان التحول الرقمي تحولا إيجابيا سوف يؤدي إلى تطوير وتقدم المجتمع، اقتصاديا وثقافيا بشكل جيد. وإذا لم يكن التحول إيجابيا بل كان سلبيا سيؤدي بالنتيجة إلى نكسات اقتصادية وأيضا عوق اجتماعي، كما نلاحظ اليوم في كثير من دول العالم، وكثير من المجتمعات، فبعض التشوهات الاجتماعية الحاصلة هي بسبب التحول الرقمي السيّئ.

بالنسبة إلى العراق فإن مشكلته تكمن في إنه لم يستطع أن يواكب عملية التحول الرقمي بالمعنى العميق وليس بالمعنى الظاهري، نحن نمتلك الآن شبكات الإنترنيت، وتوجد لدينا دوائر حكومية رقمية او ألكترونية، ولكن هذا لا يشكل تحولا رقميا عميقا يتناسب مع حاجات المجتمع.

اضرب هنا مثالا عن التحول الرقمي، عن أجيال ثلاثة مرتبطة بالتحول الرقمي، جيل الملينيوم وجيل z وجيل ألفا، وجيل ألفا متمحّض في الرقمنة الذكية، أما الجيلان السابقان فهما متأخران عن الرقمنة الذكية بسنوات. فقد كانت احتجاجات الشباب وخصوصا في العراق جرس إنذار لحاجتهم إلى التغيير وايجاد فرص اقتصادية وحل مشكلة البطالة، لكن الحكومة بدل ان تتجه نحو حلول جذرية نافعة، فتحت الأبواب لملأ الشوارع بعربات (التك تك)، التي اصبحت ظاهرة مرهقة للشعب العراقي والمجتمع نتيجة للسلبيات الكثيرة التي تسببت هذه الظاهرة العشوائية، فلم يكون هناك رؤية لدى الجهات الحكومية في إيجاد تطور حقيقي من خلال عملية بناء المهارات عند الشباب، ومواكبة التحولات الكبيرة التي أحدثها التطور التكنولوجي الهائل، بينما هناك مجتمعات على العكس من ذلك استطاعت أن تواكب التطور، عندما فهمت ابعاد الحاجة لحل مشاكل شبابها، واستيعابهم بصورة صحيحة، حتى لايتحولوا الى ظاهرة ثورية ساخطة، وتم الحل من خلال التحول الرقمي الذي وفَّر واقعا فرصا كبيرة حلّت مشكلة البطالة.

فالمجتمع العراقي اليوم فيه ثورة من الحاجات، التي تعتمد على وجود تطور رقمي حقيقي في الساحة.

وأيضا كمثال آخر حول الحاجة الى التحوّل الحقيقي، هو التعيينات التي تقوم بها الحكومة، هذه التعيينات كما يلاحظها الأخوة العاملون في الدوائر الحكومية هي تعيينات غير صحيحة لأنها غير متناسقة مع حاجات السوق، ولا مع حاجات المجتمع، بل هي مجرد عملية ذر الرماد في العيون. وبالنتيجة فهي عملية هدر للأموال والطاقات والجهود. وهذا يعني بأن الحكومة ليست قادرة على أن تواكب عملية التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي يحتاجه المجتمع وخصوصا في عملية التحول الرقمي.

بالنسبة إلى سلبيات عدم التحول الرقمي، هناك عدة نقاط هي:

أولا: تكريس البطالة، حيث يتم زيادة البطالة بشكل سيّئ جدا، خصوصا البطالة المقنَّعة، وتعيين العمالة غير الماهرة، فمثل هذا العامل أو الموظف هو مضطر أن يقدم أعمالا من المستوى البسيط التي تفتقد للمهارة، والسبب هو عدم وجود حاضنة أو بيئة تؤدي إلى تطوير مهارات هذا العامل أو الموظف، وبالنتيجة هذا نوع من البطالة يتكرس، لعدم الاستثمار الجيد في تطوير مهارات الموظفين.

فإذا لم يكن لديك إمكانيات التحول الرقمي، فإن القطاع الخاص أو الشركات أو الدولة تحتاج إلى طاقات من هذا النوع ولديها حاجات رقمية، فتضطر إلى استيراد العمالة التي تمتلك مهارات التحول الرقمي من الخارج، لكي تستفيد منها في إنجاز أعمالها.

ثانيا: أسباب اختلال أسعار الصرف في العملة، وهو عدم وجود التحول الرقمي، يعني إن مشكلة أسعار الصرف لا تكمن في قضية العرض والطلب، ولا في مشكلة التهريب، وإنما المشكلة هي أن العالم تحوَّل رقميا في قضايا التمويل المالين ولكن العراق لم يتحول بعد، ولا زال يستخدم النقد الورقي، ومعاملاته دائما خارج نطاق الاقتصاد العالمي.

ثالثا: عدم الارتباط المالي مع العالم، فاليوم معظم دول العالم داخلة في شبكة من التعاملات التجارية وأعمال السوق المختلفة، حتى قضايا الجامعات والمدارس وكافة المؤسسات الأخرى، لا يوجد فيها ارتباط حقيقي مع العالم الرقمي الخارجي.

رابعا: الفراغ الرقمي والانشغال بالتفاهة، فإذا لم يكن لديك تحول إيجابي في استثمار الطاقات وتفريغها في العمل الإيجابي الاقتصادي المثمر، سوف ينشغل الإنسان بالتفاهة وبتضييع الوقت وتبديد الطاقات الذاتية وتضييع الفرص وخصوصا الفرص الكثيرة في العراق، نتيجة للثروة الهائلة التي تحققت من مبيعات النفط.

خامسا: تضييع الفرص في عملية إيجاد مشاريع إنتاجية جيدة، تؤدي إلى استثمار طاقات الشباب، وتحول المجتمع نحو القطاع الانتاجي، وليس القطاع الاستهلاكي، ولكن الرقمنة الموجودة في العراق تمثل التحول السلبي نحو الاستهلاك، بمعنى الشغف الأعمى بالاستهلاك من دون وجود حاجة لهذا الاستهلاك، بل هي مجرد رغبة وانشغال بالتسوّق. أما إذا كان هناك عطاء إنتاجي، فإن الإنسان ينشغل في الاستثمار وفي العمل.

سادسا: هجرة الكفاءات الرقمية، فإذا كانت هناك كفاءات رقمية، ولا تستوعب طاقات هذه الكفاءات الرقمية بالسوق، فسوف تهاجر إلى الخارج، وتبحث عن مكانات وفرص في دول أخرى، كي تستثمر قدراتها الرقمية، بسبب غياب استثمارها في القطاع الخاص المحلي أو حتى في القطاع العام.

أما من ناحية معوقات التحول، فهناك عدة معوقات هي:

أولا: الفساد الحكومي، حيث أن الفساد متغلغل في الأجهزة الحكومية، لذلك فهو يقوم دائما بتعويق عملية التحول الرقمي، ويقف بالضد من عملية التحول الرقمي، حتى يبقى مستفيدا من هذا الوضع، فالفساد الحكومي يمنع عملية الاستفادة من وجود التحول الرقمي، لأن التحول الرقمي الحقيقي يوجد فيه حوكمة، وشفافية ورقابة ويقل فيه التلاعب، وليس كما يحدث في التعاملات الورقية البيروقراطية.

ثانيا: غياب الكفاءات بسبب المحسوبية والمحاصصة، حيث يتم توظيف الشخص الذي لا توجد عنده مهارة في الدوائر الرسمية، نتيجة للمحاصصة، لذلك سوف يغيب صاحب الكفاءة ويكون معزولا.

ثالثا: عدم وجود استراتيجية، ورؤية لبناء المهارات الرقمية عند الشباب، وذلك باعتبار أن الشباب هم قوة محركة للسوق.

رابعا: غياب الثقة الاجتماعية، فالإنسان لا يوجد عنده ثقة بالتحول الرقمي، وليس عنده ثقة بكل البرامج الرقمية بسبب عدم الوعي بهذا الشيء، فهو لا زال يعيش الحالات القديمة من التعامل، وأيضا الخوف من الاحتيال أو التلاعب أو حتى الفساد الموجود في الدولة.

خامسا: الرغبة في الفوضى، هذه أيضا من المعوقات التي تعيق التحول الرقمي فهناك من يحب العيش في الفوضى، بينما التحول الرقمي قد يقود المجتمع تدريجيا نحو النظام، وكثير من الناس لا يرغبون بالنظام، بسبب الوضع العشوائي للبلد، والخوف من النظام، لأن النظام مرتبط بالقانون القسري، أو القانون الاستبدادي في النظام السابق، فأي مفهوم يأتي مع النظام، يأتي معه نظام الاستبداد، ومفهوم القهر والقسر، ولذلك نلاحظ أن المجتمع يرفض النظام ويستسيغ الفوضى.

بعض المقترحات التي يمكن تقديمها في هذا الجانب، إذا كانت هنالك قيادة حكيمة:

أولا: الاستثمار القوي في بناء المهارات الرقمية عند الشباب، لأن الشباب اليوم خصوصا جيل ألفا هو الذي يقود التحول الرقمي، يعني يمكن للتحول الرقمي عند هذا الجيل الجديد إذا حدث استثمار في بناء المهارات، سوف يفرض على الحكومة التحول الرقمي، لأنه هو جيل كبير من الشباب الموجدين اليوم، يُقال أن نسبة الشباب الذين عمرهم 15 سنة إلى 25 سنة 33% من المجتمع العراقي، وهؤلاء هما جيليّ زت وألفا، وهما يقودان عملية التحول الرقمي.

فلو تم الاستثمار فيهم، وأقيمت برامج واسعة في المدارس وفي أي مكان آخر، فبالنتيجة سوف يقودون التحول الرقمي، ويمكنهم تحقيق التحويل الاقتصادي الذي يحتاجه المجتمع، وهذه القضية سوف تحل الكثير من مشكلات البطالة.

ثانيا: دعم القطاع الخاص، لأنه هو يهدف بالنتيجة إلى الربح، ويتنافس مع الآخرين، والتنافس يؤدي إلى التطور، لذا سوف يضطر إلى التنافس بشكل قوي حتى يستفيد من عملية التحول الرقمي.

ثالثا: الشركة بين القطاع العام والقطاع الخاص، لأن القطاع العام في العراق كبير جدا، وهو قطاع شبه جامد، وغير متحرك وغير ديناميكي، فإذا اصبحت هناك شراكة جيدة ضمن قواعد عمل حقيقية، فإن القطاع الخاص سوف يحرك القطاع العام، بالإضافة إلى أن القطاع العام توجد لديه إمكانات قوية تؤدي أيضا إلى رفع وإسناد القطاع الخاص بقوة.

بالنتيجة فإن الاستثمار الرقمي سوف يؤدي إلى تحريك القطاعين من خلال الشراكة بينهما، في الحقيقة نتمنى أن تستفيد الحكومة من المقترحات في قضية التحول الرقمي للشباب، لأن الشباب إذا لم يجدوا فرصة للعمل سوف يكونوا طاقة سلبية في المجتمع، كالانحراف، الثورة، التمرد، الجريمة، لذا من المهم جدا أن تهتم الحكومة بهذا الجانب كعمل حقيقي ولا تضيّع وقتها في برامج وقضايا كالتعينات غير المفيدة وغير المدروسة للاقتصاد العراقي، والشباب أنفسهم هم كذلك اصبحوا يرفضون تضييع الكثير من الجهود وهدرها.

- الحقوقي أحمد جويد الطرفي، مدير مركز آدام للدفاع عن الحقوق والحريات:

أولا إن شركات التحول الرقمي هي التي تستثمر الشباب حاليا، وليس الشباب هم الذين يستثمرون التحول الرقمي، فاليوم الشركات هي التي تستثمرنا، بين المتصفح، وبين اللاهي وقضايا أخرى كثيرة.

أفضل شيء استثمره الشباب خاصة في العراق، ربما هي قضية المحتويات والطشة وجمع اللايكات، المشكلة تكمن في إدارة هذه العقول وتوجيهها بالمكان الصحيح، فالشاب موجود وعنده إمكانيات، لكن المشكلة في هدر هذه الثروة، فالشاب العراقي ثروة مهدورة حاله حال الثروات الأخرى المهدورة في العراق، وغير مستثمرة.

ثانيا، إذا نرجع إلى العالم بصورة عامة، يعني إلى الدول التي تطورت سريعا، مثل دول الخليج وغيرها وسنغافورة، فهذه الدول استثمرت هذه القضايا وأسست من جديد، ونلاحظ أن الدول التي لها عراقة وقِدَم، تأتي متأخرة في هذا المجال، لأن هذه الدول تركت كل النظم القديمة واستثمرت مباشرة النظم الحديثة في إدارة الدولة ومشاريعها وعملها. أما نحن فلا زلنا نحبو في هذه القضايا، وهي مجرد مشاريع معطلة حالها حال المشاريع الأخرى.

هنا نفترض أن البلد اعتمد على قضايا التحول الرقمي، فمن الذي ينقل هذا المشروع أو هذه التكنولوجيا في حال استخدمت سلاحا بيد المؤسس، فمثلا اليوم تريد شركة الإنترنيت في أي وقت من الأوقات أن تقطع البث مثلا عنك، فكيف تتصرف بعد أن أسست هذه النظم والبرامج وغيرها.

لو كانت الدولة فرضت إرادتها أن تقطع عنك هذه التكنولوجيا، فكيف تدير مشاريعك، إذن لابد أن نفكر كيف نؤسس تكنولوجيا محلية لإنجاز واستمرارية التحول الرقمي، فالكلام عن التحول الرقمي يعني المستقبل، أما في الوقت الحالي فالطرف الآخر يريد أن يصرّف عليك بضاعته، نعم هو يوفر لك التكنولوجيا، لكنه يجعل منك سوقا لتصريف بضاعته.

أما حين تستجد تحديات في المستقبل وقام ذلك الطرف بقطع الإنترنيت عنك، فسوف تتوقف المصارف عن العمل، والاستثمارات والشركات والتحولات كلها تتوقف، فتحدث تبعية رقمية، فكيف تحول هذه العقلية تصنع تكنولوجيا مستقبلية، يعني تحاول أن تنجز شيئا احتياطيا في حال تم قطع هذه البرامج والتكنولوجيا عنك، فتوجد لديك برامج بديلة، فالاستثمار في هذا المجال يكون جيد. وتوجد لدينا طاقات فعلا وتوجد لدينا إمكانيات، نحن بحاجة فقط إلى الإدارة، حيث تنقصنا الإدارة والتخطيط فقط.

- الباحث حيدر الأجودي، مركز المستقبل للبحوث والدراسات:

لا يزال موضوع التحول الرقمي غير مهم بالنسبة للكثير من فئات وطبقات المجتمع العراقي، ومؤسساته الحكومية والشركات الأهلية، نسبة لما تقدم به العالم من أشواط كبيرة، نحن بدأنا متأخرين خصوصا بعد أحداث كورونا، أصبحت التوجه خصوصا في العراق إلى التحول الرقمي، في التواصل على المنصات الإلكترونية وغيرها.

في وقت يقدم الآخرون أشواطا في هذا المجال، وكثيرا ما نسمع في وسائل الإعلام والأخبار بأن العراق وقع مذكرات مع كذا دولة ومع كذا شركة، ومع كذا مؤسسة حول التحول الرقمي، لكن نعم الأمر يسير في هذا الاتجاه، لكن سيره بطيء جدا، ولا يكاد أن يرقى إلى ما وصل إليه العالم.

نحتاج إلى التغيير الثقافي في المجتمع نحو الاعتياد على استخدام الوسائل الرقمية، والشيء بالشيء يُذكَر، كمثال من أرض الواقع من باب التغير الثقافي حول التحول الرقمي، كان هناك تعاون مشترك بين أحد المستثمرين وبين القطاع الخاص الزراعي، على تطبيق الزراعة الذكية، وهذا أحد أنواع التحول الرقمي، واستطعنا بعد جهد جهيد من اقناع أحد المستثمرين الزراعيين أن نضع في أرضه، متحسسات زراعية من أجل قياس نسبة الرطوبة، قياس مستوى سقي الأرض، احتياج النبات للعناصر الخاصة بالأسمدة والمبيدات، كل ما يتعلق بهذه الأمور وحسب احتياج النبات، فاستطعنا إقناع ذلك الشخص، والتكلفة كانت على القطاع الخاص طبعا، يعني هو لا يخسر شيئا من جيبه، وقد اشترك إضافة كذا كمية من الأسمدة ومن المبيدات حتى وإن كانت تؤثر سلبا على النبات، لكنه معتاد على الطريقة القديمة، بالمحصلة هو كسب المادة منذ العام الماضي حيث انتجنا نبات الحنطة والآن نبات الذرة، فكان هناك فرق شاسع ما بين الآخرين الذين يستخدمون الطريقة المعتادة، فرضا يُضاف على الدونم من الأسمدة 200 كغم بينما بطريقة التحديث أضفنا 50 كيلوغرام فقط، بمعنى تقليل التكاليف وزيارة الأرباح وجودة المنتج وقلة الوقت، كل هذه الأمور اتت بثمارها.

لكن المشكلة تكمن في زيادة أسعار المتحسسات، والمشكلة الأخرى ضعف منظومة الإنترنيت، فنحن الآن وصلنا إلى الجيل الرابع وفرحانين بذلك، بينما الدول الأخرى وصلت الجيل الخامس وتجاوز هذا الجيل، في الأسبوع الماضي أردت أن أدخل إلى المنصة الإلكترونية من المزرعة، لم استطع الدخول بسبب ضعف الإنترنيت إلى أن تقربت جدا من المنظومة فحصلت على الإشارة، فضعف الإنترنيت يشكل عندنا مشكلة.

القصد إننا نحتاج إلى التغيّر الثقافي والمجتمعي نحو التحول الرقمي، وهذا يحتاج إلى عمل وليس كلام فقط، بل وإلى جهد كبير ومتواصل.

- الباحث باسم حسين الزيدي، مركز الإمام الشيرازي للبحوث والدراسات:

العراق غالبا ما يعاني من صعوبة في التحول أو الانتقال إلى أي مجال من مجالات الحياة، بمعنى نلاحظ صعوبة انتقاله من واقع سياسي إلى آخر، وهذا ما يسمى بالقفز على الواقع، كما حدث التحول مثلا من بلد دكتاتوري إلى بلد ديمقراطي، ولكن الذين يعيشون الوضع يقولون هذا ليس وضعا ديمقراطيا، يوجد فيه خلل وهذا هو معنى القفز على الواقع، وكذلك في المجال الاقتصادي أيضا.

من ضمن هذه المجالات ما نناقشه الآن حول التحول الرقمي، فالعراق إذا كان الكلام في الاختصاص فهو بعيد كل البعد عن التحول الرقمي، لأنه هناك مراحل تسبق التحول الرقمي، لأن التحول الرقمي هو أعلى مراحل التكنولوجيا، التي تمارسها الدول المتقدمة على المستوى التكنولوجي والصناعي، فنحن لحد الآن لم نصل إلى مرحلة الاكتفاء في عملية الاكتفاء الرقمية، وهي تختلف عن التحول الرقمي، أو الأتمتة، أو الحوكمة.

طبعا هذه المجالات فيها تفاصيل دقيقة إذا نوقشت على حدة، ما يهمنا نحن هو ما قبل التحول الرقمي، ونقصد الرقمنة التي تحوّل النظام الإداري من الورقي إلى الرقمي، وهذه هي عبارة عن دائرة تبدأ بـ (ألف) وتنتهي بـ (ألف)، ويكون فيها كل مراحل العمل (المعاملات أو الانتاج أو أي شيء آخر) هذه الدائرة التي تبدأ وتنتهي بألف هي رقمية، فمتى ما تحولت هذه العملية التي تمارسها الحكومة أو القطاع الخاص والعام، هي تخرج عن الرقمنة.

فالرقمنة هي عملية سابقة، بالضبط الفرق بين الرقمنة والتحول الرقمي ان الرقمنة محلية، يعني إدارة تكنولوجية داخلية محلية، أو بمنظومة محلية، أما التحول الرقمي هو إدارة ترتبط بالعالمية أو بالقطاعات التكنولوجية المتطورة.

المسألة الثانية إن التحول الرقمي يحتاج إلى أدوات فاعلة، طبعا بعد أن تنجز مراحل التطور في الأتمتة والحوكمة والرقمنة، وتبدأ بالتحول الرقمي، تحتاج خلال هذه المرحلة إلى أدوات فاعلة، من ضمنها هي الحلول التي تقدمها الشركات التكنولوجية في توفير حلول لأن التحول الرقمي هو انتقال لهذا النظام، أي تحول نظام العمل بالكامل إلى الرقمي 100%. بكل قطاعات وفرعه لأنه أصبح ثقافة تكنولوجية.

يحتاج ذلك إلى الحلول التي يجب أن توفرها الشركات، ويحتاج أيضا الانتقال من المحلية إلى استخدام أو دعم الحوكمة السحابية التي تربط تكنولوجيا الداخل بالخارج، وتحتاج أيضا إلى ما يسمى أيضا بالمستشعرات الذكية، التي توفرها الشركات أيضا، والتي تفيد في تحسين الانتاج وكفاءته وتطويره.

أتصور إن العراق حاليا بعيد كل البعد، أو غير قريب من مسألة التحول الرقمي، نعم التحول الرقمي شيء جيد، لكن لماذا نحن نقفز على الواقع، فمطلوب منا أن نعرف نحن في أي مرحلة الآن، وأين وصلنا، هل لا زلنا في المرحلة الورقية، أم الرقمنة، أتمتة، حوكمة، أو تحول رقمي أو هجين من كل هذا، حاله حال بقية المجالات التي نعاني منها الآن.

- الباحث حامد عبد الحسين الجبوري، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

السؤال الذي يجب أن نطرحه هو لماذا فشل التحول الرقمي في العراق؟

أعتقد أن هذا هو السؤال الجوهري، حين نبحث ونشخّص لماذا فشل المشروع في هذه اللحظة نستطيع أن نضع الحلول أو المعالجات، في تقدير أن المسألة وهي واضحة، أن الحكومة ريعية والاقتصاد أيضا ريعي، فالاقتصاد الريعي دائما يولد لنا حكم ريعية، وبعض الاقتصاديين يقولون إن الحكومة الريعية هي التي تخلق اقتصاد ريعي.

البعض الآخر يقول أن الاقتصاد الريعي هو الذي يخلق الحكومة الريعية، وأمام هذه الجدلية نقول إن العراق هو ريعي وذو هوية ريعية، يدفع بكل الموارد باتجاه سيطرة الدولة على مستوى الاقتصاد لفئة معينة أو لقطاعات محددة، فعدم فسح المجال أمام القطاع الخاص هذا يؤدي إلى انتاج حقيقي يؤدي إلى وسائل تكنولوجية، ومن ثم إلى التحول التكنولوجي.

فإذا نظرنا إلى الاقتصاد المتقدمة، نلاحظ أنها بدأت في اقتصادات واقعية حقيقية وبقيت تقدم خدمات مستمرة لمدة طويلة، وحصل التطور والتراكم، وهذا النوع من التراكم أدى إلى التحول كما ذكر الأستاذ باسم الزيدي وجود رقمنة ثم تبعها التحول الرقمي.

اما الإجابة عن سؤال لماذا فشل التحول الرقمي في العراق، فأتصوّر أننا نحتاج إلى مراجعة الرؤية الاقتصادية لدى الحكومات المتعاقبة، وعندما نخلق رؤية اقتصادية فإن التحول الاقتصادي يسير بشكل تلقائي مع التحول الاجتماعي والتحول الرقمي أيضا.

وفي الختام أجاب مقدم الورقة البحثية عن سؤال: كيف نحدد أسباب فشل التحول الرقمي؟

بالقول: من الممكن أن نأخذ موضوع المقارنة، مع تجارب الدول الأخرى في التكنولوجيا الرقمية، فهي تعتمد على مكانتها وقوتها الاقتصادية فقط، فبعض الدول اقتصادها ريعي أو شبه ريعي، لكنها حققت طفرة وتقدم كبير في جانب الأتمتة والحوكمة الإلكترونية، مثلا دول الخليج التي اقتصادها ريعي لكنها نجحت في التحول الرقمي على الأقل في الجانب الحكومي. وهذه الورقة لم تركز كثيرا على هذا الموضوع ولكنها ركزت على الجانب الاقتصادي.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق