مع ازياد التوغل التكنولوجي لوسائل الاتصال في عصرنا الحالي ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء والأمهات هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل الكثيرة. الدراسات قليلة في هذا المجال وغالبا ما كانت تركز على وسائل التربية التقليدية أو وضع جلّ الاهتمام على علاقة الأبناء بالأم فقط...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث جلسة حوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (التربية في زمن التكنولوجيا.. المخاطر والتحديات)، حضرها نخبة من الباحثين والمفكرين والأكاديميين، حيث قدم الباحث في المركز محمد علاء الصافي ورقة جاء فيها:

"تحول العالم إلى قرية صغيرة بفضل التقدم التكنولوجي الهائل خلال السنوات الأخيرة، فقد أصبحت التكنولوجيا تسيطر على كافة نواحي الحياة، وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للتكنولوجيا إلا أنها تسببت بآثار انعكست سلبًا على حياتنا خاصة على الأطفال؛ ما يجعل تربيتهم في ظل وجودها مهمة صعبة، وفي هذا الملتقى سنستعرض تحديات تربية الأطفال في عصر التكنولوجيا بين السلبيات والإيجابيات المترتبة على استخدام الأطفال للتكنولوجيا.

مع ازياد التوغل التكنولوجي لوسائل الاتصال في عصرنا الحالي ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء والأمهات هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل الكثيرة.

الدراسات قليلة في هذا المجال وغالبا ما كانت تركز على وسائل التربية التقليدية أو وضع جلّ الاهتمام على علاقة الأبناء بالأم فقط، بعض الدراسات الحديثة تذكر أن تأثير الوالدين في سلوك الأطفال تراجع من 70% إلى 40% في عصرنا الحالي، بسبب انتشار الانترنت ودخوله إلى كل بيت من دون استثناء.

كان الأب والأم في السابق هما المصدر المعرفي الأكبر لأبنائهم وبصورة أقل المدرسة بسبب قلة اعدادها، فكانوا يلقنوهم الأدب والأخلاق الحميدة واحترام الآخرين والأمانة ومراعاة حرمة الجوار... وغيرها من القيم.

أما اليوم وقد اختلف الواقع بدأت هذه القدوة بالاضمحلال شيئاً فشيئاً وأصبحت سلطة الأهل على الأولاد تتراجع باستمرار، فبعض الأولاد لم يعودوا يهتموا بدراستهم بسبب الجلوس الطويل على الهواتف والألعاب الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي دون أي رقابة أو توجيه، بل أصبحت الكثير من العوائل تعيش في منزل واحد لكن لكل فرد فيه عالمه الخاص دون تواصل حقيقي أو عاطفة بين الإباء والابناء.

ومن الآثار السيئة للألعاب الالكترونية والمواقع الالكترونية وخاصة في العمر المبكر وبداية عمر المراهقة أنها توجه الأفكار نحو العنف والعادات السيئة (كالسباب والشتائم)، وتجعل الطفل جماداً لا يتحرك، ولا تعينه على تفريغ طاقته الحركية باللعب. كما أن من مضارها التعرف على أصدقاء لا نعرف شيئاً عن خلفياتهم الثقافية والدينية والسلوكية.

وللأسف إن من يثقف أطفالنا اليوم هي وسائل التواصل الاجتماعي ولو سألنا أي أب في مجتمعنا هل تهتم بثقافة أبنائك؟ فسوف يجيب قسم كبير من الآباء: أنا أؤمن لهم ما يحتاجون من طعام ودواء وغذاء!

لكن هل الطفل هو عبارة عن جسم فقط حتى نطعمه وينتهى دورنا!!

الحقيقة إن الطفل هو جسم وروح وعقل، فالروح بحاجة لغذاء بالمحبة والحنان، والعقل بحاجة لتنمية وبناء بالعلم والمعرفة.

فيما يلي معلومات ونصائح، وردت في تقرير حديث نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، من شأنها أن تساعد الطفل على التمتع والتطور في هذا العالم المزدحم، وجعلهم سعداء.

1- الأطفال قبل عمر العامين:

الدكتورة جيان شينسكي الأستاذة في جامعة لندن تؤكد أن الاطفال قبل عمر العامين، لا يتعلمون شيئا يذكر مما يرونه على الشاشات، لأنهم لا يفهمون الكلام، ولا أهمية للأحداث على الشاشة مقارنة بالحياة الحقيقية.

وتشير شينسكي إلى قضية تراجع اهتمام الأولياء بقراءة القصص لأطفالهم، ما أدى إلى ضعف ثروتهم اللغوية.

وتوصي منظمة الصحة العالمية بتجنب تعريض الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنة للشاشات على ألا تزيد المدة عن ساعة أو أقل يوميا للأطفال من سنتين الى 4 سنوات.

ويقترح بعض الباحثين تقنيات لتقليل الأضرار مثل مرافقة الأطفال في مشاهدة الفيديوهات بدل تركهم بمفردهم لساعات طويلة من دون مراقبة، وأما العنصر المهم والاساسي فهو نوع المحتوى.

وما يهم وفق شينسكي هو أن تكون هذه البرامج بطيئة وتربوية ومناسبة للعمر، إذ بينت دراسات حديثة أن قضاء وقت طويل أمام الشاشات يؤثر سلبا في الثروة اللغوية للطفل، فيصبح غير قادر على التحكم في مزاجه وتتملكه النزوات ويصبح عدائيا اكثر. لكن هل الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات مفيد؟ تشير شينسكي إلى أهمية الرقابة لتحسين جودة ما يتابعونه، وهذا هو الثمن الذي علينا أن ندفعه مقابل الجوانب السلبية.

إذا كان الطفل يتعامل مع ما يظهر على الشاشة بطريقة مثمرة، فهذا دليل على أنه يتعلم، ولكن ليست كل التطبيقات والألعاب والبرامج جيدة له. لذلك من الضروري اختيار تطبيق أو لعبة جيدة وأن يكون محتواها تفاعليا نشطا، ويسمح بمشاركة اولياء الامور كما الأطفال، حتى يقضوا وقتا ممتعا معا وهنا تظهر ان التكنلوجيا ليست سيئة بالمجمل ويجب التعامل بواقعية مع وجودها.

2- الأطفال في عمر المدرسة:

يقع الكثير من أولياء الأمور في خطأ كبير عندما يتعاملون مع الأبناء على انهم يعرفون خبايا استخدام الأجهزة الالكترونية والمواقع والتطبيقات والألعاب ويفهمون التكنولوجيا اكثر منهم. ولعلاج هذه المشكلة تنصح خبيرة التكنولوجيا بارفين كور أولياء الأمور بالتحكم في أي جهاز قبل إهدائه لاطفالهم، وأما كيت إدوارد المسؤولة عن امن الاطفال في مؤسسة NSPCC فتنصح أولياء الامور بالحرص على إبلاغ اطفالهم بأنهم يسيطرون على كل شيء وأن عليهم أن يعودوا لهم في حال شعروا بالخوف من حادثة ما. الكثير من حالات الابتزاز الالكتروني واستغلال الأطفال تتم بسبب هذه الحالة.

3- الأبناء في سن المراهقة ومرحلة الثانوية:

يوجد الكثير من الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي قبل عمر الـ13، وتنصح الدراسات أولياء الأمور بأن يكونوا مثالا يحتذى به، وبرسم الحدود التي لا يجب تجاوزها، بينها الوقت. فإن كان طفلك يحب ألعاب الفيديو، تأكد جيدا مما يحدث أثناء اللعب، وفي أي لحظة يمكن أن يتوقف، وما الذي يحصل له حينها ؟ كما يخشى الكثير من الأولياء، من أن يقع أطفالهم ضحية التنمر، وقد يكون طفلهم هو المتنمر، لذلك عليكم ان تشرحوا له الوضع وأيضا تداعيات التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يدرك بأن «الإعجاب» مثلا على مواقع التواصل الاجتماعي يعني موقفا.

ولذلك نحن اليوم بحاجة إلى زيادة الوعي حول أمور عديدة منها:

- تنبيه الآباء والأمهات لتخصيص جزء من وقتهم لمتابعة أبنائهم، والحديث معهم، والاستماع لمشاكلهم.

- توعية الأهل أن هذا الزمان مختلف عن زمانهم السابق فينبغي التعامل مع الأولاد بحذر وحكمة، وفق تغير المعطيات في عصرنا الراهن.

- ينبغي للآباء والأمهات أن يعينوا أولادهم على طاعتهم، فقد روي عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) أنه قال: (رحم الله والداً أعان ولده على بره).

- إخضاع الاولاد لدورات تعليمية ورياضية خاصة في العطلة الصيفية لملء أوقاتهم والتخفيف من استخدامهم لهذه الوسائل؛ لأن الاستخدام الطويل لهذه الوسائل يؤثر على الذاكرة ويصيبها بالكسل.

- استثمار المؤسسات التربوية والتعليمية بضرورة التوعية حول استخدام التكنلوجيا بالجوانب الإيجابية والتحذير من مخاطرها وسلبياتها.

- على الدولة مراقبة المواقع غير الآمنة التي تستهدف الجيل الناشئ بالافكار والسلوكيات التي تحرض على العنف او الأفكار المخالفة للفطرة البشرية.

- من أضرار هذه الوسائل: إجهاد الدماغ، وحب الطفل للانطوائية والعزلة، وصعوبة التأقلم مع الآخرين، وقد يؤدي ادمان الجلوس عليها للأطفال في سن مبكرة إلى التوحد.

- كذلك هناك ضرر على العين، فالجلوس الطويل مثلاً أمام الحاسب الآلي أو شاشة البلازما وتركيز النظر يؤدي إلى إضرار كبير بالعين نتيجة الإشعاعات الصادرة منها، وقد يلاحظ بداية باحمرار العين ثم قد يؤدي لضعف البصر.

علينا ابتكار أساليب تربوية جديدة تتناسب مع عصرنا الحالي؛ لأن الأساليب القديمة لم تعد تجد نفعاً في زماننا.

كما أننا لا ننكر أن التكنولوجيا أصبحت ضرورة في هذا الزمان، لكن يجب نحن أن نتحكم بها، لا أن تتحكم هي بمستقبل أولادنا.

وبعد انتهاء الباحث من ورقته طرح السؤالين التاليين على الحاضرين لهذه الندوة من إجل إثراء الموضوع، وجاء في هذين السؤالين:

س1/ كيف أثرت التكنلوجيا على سلوكيات الأطفال والمراهقين؟

س2/ ما هي المعالجات التربوية الاستراتيجية التي تتناسب مع حجم التحديات التكنلوجية؟

المداخلات

- الدكتور خالد العرداوي:

هذا الموضوع يقلقنا جميعا، وهو موضوع الساعة، لا يمكن إنكاره وفي نفس الوقت لا يمكن التخلي عن مواجهته، موضوع التكنولوجيا اليوم مهم للغاية، وتأثيره مثلما ذكر الباحث في الورقة، هو تأثير يعتمد جانبين:

أولا: الجانب الإيجابي

وهذا نلاحظه اليوم في فرص التواصل، وطريقة التعاطي مع المعلومات، ولو أحسنّا التعامل مع التكنولوجيا سوف يكون لها رصيد معرفي كبير ومفيد للكبار والصغار، وفي نفس الوقت هنالك جوانب سلبية، وهنا سوف نأخذ الواقع العراقي، طبعا نحن جميعا نمر بهذه الأزمة، ونلاحظ أن وسائل التكنولوجيا الحديثة تشكل مشكلة لنا جميعا.

وقد ذكر الباحث في الورقة أن الآباء والأمهات ينبغي أن يتابعوا هذا الأمر، ولكن حتى لو لم تكن التكنولوجيا موجودة فإن الآباء والأمهات لابد أن يتابعوا أبناءهم، وبالنتيجة إذا لم يتابع الأب والأم أولادهما فإنهم سوف ينحرفون عن المسار الصحيح، فما بالك حينما تكون التكنولوجيا موجودة، والانفتاح على الخارج أصبح له مؤثرات على العقل، تخترق هذه العوائل، وتخترق المؤسسات التربوية وتؤثر على الطفل.

هنا قطعا سوف يكون دور الأب والأم أكبر، ومتابعتهم أكبر، وما نلاحظه اليوم توجد مشكلة إن مواجهة التكنولوجيا أو التعامل معها هي ليست قضية تربية، يعني فقط كعائلة أو كفرد كيف أتعامل مع هذه التكنولوجيا، لماذا؟، لأن التكنولوجيا هي جزء من نظام عام، وثقافة اجتماعية عامة، لهذا نحن محتاجون إلى بنية اجتماعية، ثقافية عامة مناسبة للتعامل مع التكنولوجيا، وما يحدث الآن في مجتمعنا أن كثيرا من أفراده بسبب وعيهم المحدود يحاولون أن يتخذوا من التكنولوجيا كوسيلة من وسائل الراحة.

أين تكمن هذه الراحة؟، تكمن في عدم تربية الأبناء، فهناك الكثير من العوائل تريد الأم أن تتخلص من ابنها، ومن خروج الأولاد في الشارع، أو قضايا أخرى، فتعطيهم الموبايل حتى ينشغل به، فيقضي ساعات مع الموبايل والأم تنشغل بنفسها أو في الطبخ وغير ذلك، هذا الأمر بالطبع يعبّر عنه بالحث عن الراحة من خلال التكنولوجيا، فيلهينا عن دور التربية والمتابعة، بالمقابل كأنها مقايضة، بمعنى أن المجتمع يقوم بمقايضة مع الأبناء، بحيث نحن نسمح لكم بالموبايلات بشرط أن نتخلى عن تربيتكم أو نقلل من مستوى الاهتمام بتربيتكم.

وهذا يمثل خللا اجتماعيا كبيرا، لماذا لأنه صنع لنا ثقافة عامة، فأنت تريد أن تحرص على تربية الابن وتريد أن تقيده بقضية التكنولوجيا، فلا يعتقد اذا كنت أب أو أم بأنك حريص على هذه التربية، فالابن يعتقد أنك تمارس عملية الظلم ضده، لماذا لأنه يقارن نفسه مع الآخرين من الأقارب أو الجيران، وأن أهلهم لا يقيدونهم أما أنتم فتقيدوننا، وهذا خلق للأبناء والآباء الحريصين على تربية أبناءهم أن هناك شعور بالظلم عند الابن إذا تعاملت معه بهذه الطريقة، فإذا أردت أن تنظم أوقات متابعته للتكنولوجيا الحديثة أو تريد أن تحد من ذلك هذا كله يجعله يشعر أن هناك فجوة بينك وبين ابنك.

وهذه الفجوة وهمية زائفة ناجمة عن وجود ثقافة اجتماعية غير صحيحة في التعامل مع التكنولوجيا، لذا أعتقد أن هذا الأمر يجعلنا في مشكلة كبيرة للغاية، ويحتاج إلى نواجه هذه المشكلة، هذا هو الجانب الأول.

ثانيا: حالة الادمان عند الكبار أيضا.

حيث توجد حالة الإدمان الإلكتروني عند الكبار وليس عند الصغار فقط، يعني الكبار يمارسون دورا سلبيا ضد أبناءهم، لأن الكبار الآن يوجد لديهم حالة من حالات الاستعمال السيّئ للتكنولوجيا، وهذا طبعا بالمصاحبة سوف يمتد إلى الصغار فيقلدون الكبار، فيتأثرون بهم في قضية عدم التعامل الجيد مع هذا الجانب من التكنولوجيا.

ثالثا: المؤسسات التربوية.

إن مؤسساتنا التربوية خصوصا في العراق لا زالت غير مهيّأة لكي توضح هذه المخاطر، فقد يكون عندها عجز في هذا الجانب، وهي بالكاد ربما يمكنها تقديم المعرفة، ولكن نحتاج أيضا في هذه المؤسسات أن يكون فيها برامج محددة، نلاحظ مثلا في الغرب حين انكشفت قضية المثلية، نلاحظ أن المدارس نفسها مارست دورا في ترويج المثلية، فمدارس الغرب هي التي قامت بهذا الدور، بمعنى أن المثلية أصبحت جزء من بنية ثقافية جديدة، فالمدرسة شعرت أنها يجب أن تكون جزء من هذه البنية، يعني تلاحق التطورات ولا تكون متخلفة عنها.

فإذا كانت هناك اليوم مخاطر موجودة في المجتمع، فهذا يحتّم على المدرسة أيضا أن تبصّر بهذه المخاطر، على مستوى المنهج الذي يُقدَّم للطلبة، كذلك التكنولوجيا عبارة عن مرسل ومتلقي، المرسل سوف يتمكن من التحكم بعقول المتلقين، لذلك أنا شخصيا لاحظت أحيانا حين تبني على لعبة معينة، فإن طيلة وقت هذه اللعبة تأتي لمن يلعبها إعلانات نفسية، وحتى لو أخذت منه الموبايل وبعد نصف ساعة يعود لنفس اللعبة وهذا يدل على أن هنالك قوة تتحكم بالتكنولوجيا وتتحكم أيضا بطبيعة الرسائل التي ترسلها.

هذه الرسائل ليست غير موجَّهة، وهي ليست تكنولوجيا عمياء، بل هي تكنولوجيا مبصرة تعرف إلى أين تريد أن تصل، وفي هذه الحالة نحتاج إلى إجراءات حكومية تتم عبر مؤسسات حكومية ذكية قادرة على أن تحفظ البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع، وفي نفس الوقت لا تؤثر على قضية الحقوق والحريات، التي لابد وأن تكون محترمة.

نفس هذه الأسباب أعتقد أنها تتطلب المعالجات، بنية ثقافية جيدة، أسرة ومؤسسة تربوية جيدة تحسن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، مؤسسات حكومية قادرة على التحكم بالرسالة وباستعمال التكنولوجيا، هذه كلها مع بعضها سوف يكون لها دور مؤثر، وإى جانب هذا كله أعتقد أن الإنسان عندما يعاني من الفراغ سوف يبحث عن التكنولوجيا ويحاول أن يسد هذا الفراغ بشكل أو آخر.

لذلك نحن نحتاج اليوم أن لا نترك أبناءنا يعانون من الفراغ، نحتاج إلى توسيع الأندية الرياضية، توسيع البرامج المدرسية، توسيع البرامج الكشفية، كل هذه الأمور إذا تم توفيرها تجعل المدة التي يقضيها الطفل أو الشاب مع التكنولوجيا هي أقل ما يمكن، فلا يمكن أن نمنع التكنولوجيا عن مجتمعاتنا، ولا نمتلك القدرة على مواجهة هذا التحدي وهل نحن مهيّئين لها أو غير مهيّئين.

- الدكتور محمد مسلم الحسيني:

التكنولوجيا ومشتقاتها في عصرنا هذا أصبحت شريان جديد في الحياة ووسيلة تعامل تقتحم رويدا رويدا المنصات الهامة في التعاملات وفي تفاصيل حياتنا اليومية، حتى غدت في بعض الأحيان شر لابد منه!

هذه الحقيقة عاجلا ام آجلا ستحتم مواكبة الواقع الجديد وحركته طوعا أو كرها، لأن التمرد أو التجاهل لهذا الواقع قد يخلق حالة ضياع في متاهات الالتزامات مما يعقد إدارة شؤون المرء الخاصة والعامة.

لا يقتصر وجود هذا الشريان الجديد في حياة الكبار فحسب وانما يمتد لحياة الأبناء والصغار منهم. إستخدام التكنولوجيا لدى الأطفال سلاح ذو حدين، فكما يحمل الإيجابيات فقد تكتنفه السلبيات. تبني سياسة وسطية متوازنة في إدارة هذا الأمر الشائك قد يكون الأسلوب الأنسب والأصح في تحفيز الإيجابيات وتجنب السلبيات. هذه الموازنة الدقيقة تستدعي حيطة وحذر وانتباه الوالدين، فهم أمام تحدي معاصر يهم مستقبل الأبناء ومفاهيمهم وتصرفاتهم.

التكنولوجيا الحديثة بكل أركانها تعتبر مصدر بحث وفضول واستكشاف وتسلية للأطفال والابناء، تستحوذ على اهتماماتهم وتطلعاتهم وتؤثر على تصرفاتهم. دون شك هذه التكنولوجيا تحمل معها إيجابيات التطور المعرفي وتنمية مهارات الأطفال الفكرية والفنية من خلال السعي وراء المعلومات والاطلاع على ثقافات العالم وتاريخ وجغرافية البلدان ولغاتها، إضافة إلى تحفيز القابليات الفكرية والمواهب من خلال حل المسائل الرياضية وتعلم الرسم والتخيل البصري وأدوات التفكير الترفيهية وغيرها.

هذه الإيجابيات يجب ألا تشوبها سلبيات الاستخدام وهي كثيرة ونذكر منها:

اولا؛ التأثير السلبي على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية، الاستخدام المفرط للتكنولوجيا والانكفاء والاكتفاء بالألعاب الإلكترونية والادمان على هذا النهج، تجعل الأطفال والمراهقين على اختلاف أعمارهم في وحدة وعزلة عن الآخرين لأكثر الأوقات. هذا الانعكاف الاجتماعي قد يتطور إلى ارهاصات جسدية ونفسية من تعب واجهاد وسهر وقلة نوم بل وحالات من القلق وربما حتى الاكتئاب.

كما بينت التقارير الطبية الموثقة حالات عدم الإنتباه وصعوبة التركيز وفي بعض الأحيان تأخر في النطق لدى بعض الأطفال نتيجة الإفراط باستخدام التكنولوجيا الحديثة. ذهبت بعض الدراسات في سلبيات التكنولوجيا إلى أبعد من ذلك، حيث بينت أن الادمان على التكنولوجيا قد يربك نمو الطفل عقليا وجسدياً وقد يؤثر على وزنه باتجاه الزيادة أو النقصان عن الحدود الطبيعية.

كما أن الأشعة الصادرة من أجهزة التكنولوجيا قد تؤدي لضعف البصر وارباك الرؤيا نتيجة لاستخدام هذه الأجهزة لوقت طويل. إضافة لهذا وذاك فقد تحصل انحناءات في بعض عظام الرقبة والظهر المتأثرة بطول فترات الجلوس غير السوية.

ثانيا: اضطرابات سلوكية لدى الأطفال، قد تتغير سلوكيات الاطفال المدمنين على التكنولوجيا بسبب العزلة وعدم الاحتكاك بالآخرين، فقد تظهر لديهم علامات وأعراض انعكاف اجتماعي وانطواء على الذات، كما قد تظهر بعض السلوكيات العدوانية والعنف لدى البعض بسبب التأثر بطبيعة الأفلام والألعاب الضارة التي يتداولونها مما تجعلهم غير قادرين على التوفيق بين الواقع والخيال.

فوق هذا وذاك فقد يتخلف البعض دراسيا نتيجة الكسل والخمول وتشتت الذهن وفقدان الرغبة في الدراسة. كما بينت الدراسات بأن الإدمان على التكنولوجيا قد تربك بناء مشاعر الطفل وعواطفه واهتماماته الاخرى وقد تخلق لديه حالة الاعتمادية على الآخرين في إدارة شؤونه، وفي بعض الأحيان حالات من الخوف "الفوبيا" مختلفة الجوانب أو تحفيز ظاهرة التنمر واستخدام الألفاظ السيئة نتيجة انجرار البعض الى مواقع ضارة وغير سليمة. كل هذه الأمور قد تؤثر على تصرفات الأطفال وعلى مهاراتهم الشخصية وابداعاتهم وصيرورتهم الاجتماعية.

التصدي لسلبيات التكنولوجيا على الأبناء باختلاف أعمارهم مهمة حساسة يتحمل مسؤوليتها الآباء في الدرجة الأولى، ولابد من إيجاز بعض أركان صيغة التعامل مع الأبناء من أجل تحفيز إيجابيات من جهة وتحجيم مضارها وسلبياتها من جهة أخرى وهي كالآتي:

أولا/ الاستخدام المشروط للتكنولوجيا؛ اي تبني سياسة النصيحة باختيار الصالح ونبذ الطالح وباتباع أسلوب الوسطية في التعامل مع الأبناء حيال التكنولوجيا المستخدمة لديهم فلا تفريط ولا إفراط، حيث لا يجوز منع الأبناء عن حقهم في إستخدام هذه التكنولوجيا المعاصرة التي قد أصبحت أساس من أسس التعامل في الحياة الحالية والمستقبلية من جهة، ولا يجوز تركهم دون مراقبة وتفاعل ونصيحة وإشراف حد الوقوع في المكروه من جهة أخرى. اي يجب استخدام أسلوب موازنة دقيق بين التحفظ وإطلاق الحرية في استخدام التكنولوجيا.

ثانيا: تفعيل تطبيقات حماية الطفل؛ من أجل منع الاطفال من الوصول إلى المواقع غير المرغوبة أو مشاهدة مقاطع من الفيديو لا تتناسب مع أعمارهم، يجب حجب المواقع الضارة أو غير المناسبة والسماح للمفيد النافع.

ثالثا: تنظيم أوقات استخدام التكنولوجيا؛ يجب على الآباء تحديد فترة زمنية يومية لاستخدام التكنولوجيا بحيث لا تتضارب مع مستلزمات دراسة أطفالهم ولا تتعدى الفترة الزمنية المسموح بها طبقا لعمر الطفل. في نفس الوقت يتحتم على الآباء مشاركة أبنائهم في تلك الفعاليات من أجل الاشراف من جهة والاطلاع على طبيعة اهتماماتهم من جهة أخرى.

رابعا: تنويع فعاليات الأبناء، على الآباء أن لا يسمحوا لأبنائهم بجعل التكنولوجيا وحدها محطة اهتمامهم، بل يجب التنويع في الاهتمامات ومشاركة الفعاليات غير التكنولوجية في يومهم، كالرياضة والرسم واللعب مع الأصدقاء والاندماج مع العائلة ومشاركتها، من أجل الحفاظ على العلاقات الاجتماعية واستدامتها وتنميتها ومن أجل تنمية مشاعر الصلة والتفاعل الاجتماعي وبناء العاطفة لدى الأطفال.

خامسا: جدولة الممنوع والمسموح في الاستخدام، على الآباء جدولة المواضيع المسموحة التي يستطيع الطفل اختيارها من أجل الفائدة والاستمتاع دون المواضيع الممنوعة التي يجب على الطفل تجنبها وعدم الإطلاع عليها أو مراودتها. النصح بهذا المنح يجب الا يكون بالزجر والتخويف إنما بتوضيح المخاطر والأسباب، كي لا نجعل الطفل يتأثر بقاعدة "الإنسان حريص على ما منع"!.

- الحقوقي صلاح الجشعمي:

معنى التربية هو مجموع المبادئ والقيم والمعايير التي تهذب سلوك الأطفال، أو الكبار، وطالما أننا نتناول الأطفال فسوف تهذب سلوكهم الفردي والجماعي، هذا ما أفهمه عن التربية نتيجة لتجاربنا في الحياة، أما كيفية تأثير التربية فهناك وسائل تأثير تكنولوجية مختلفة، كما تطرق لها الباحث في ورقته، منها وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب، التطبيقات، المسلسلات التي تُبثّ، مجموع هذه الحزمة هي وسائل التأثير التكنولوجي.

هذه المؤثرات تترسخ في لا وعي الطفل ثم تترتب عليها نتائج فيما بعد، ونتائج التأثير كما نلاحظ من خلال عملنا في المحاكم، هناك موقف مؤسف وخطر حيث نلاحظ مثلا حالات الانتحار موجودة بسبب كونه لم يحقق معدّل دراسي في الامتحانات، وعندما نطلع على حيثيات حالة الانتحار نعرف أن الطالب تأثر في حالة شاهدها حفزته على القيام بهذا العمل، كذلك محاكم الأحداث نأخذها نموذجا والحدث وفق وصف القانون العراقي عمره من 17 سنة نزولا، بعضهم يتعاطى المخدرات وحين نستفسر من الباحث الاجتماعي المعني به فيقول من ضمن أسباب ارتكابه لهذه الجريمة أو تخيلها واستوحاها أو عملية تعاطي المخدرات والتدخين والسرقة وأي عمل آخر سببها وسائل التواصل الاجتماعي.

كذلك يحدث التأثير من خلال المسلسلات التي تعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، وتحريض الفتيات اللواتي يحرضن على الهرب، وهناك حوادث كثيرة في المحاكم لا يسع المجال لذكرها، وهي أحداث كلها تحدث نتيجة تأثيرات التكنولوجيا ووسائل التواصل.

بالنسبة للمعالجات في رأيي، هناك عدة مستويات منها المستوى الأسري والمستوى الرسمي الحكومي والمستوى شبه الرسمي، فقد ظهر تقرير قبل أيام يؤكد أن على الأب أو الأم أن يجلسوا مع أطفالهم ساعتين على الأقل، ويجب أن يكون منفتحا مع أطفاله سواء الأب أو الأم، ومن المحال منع الموبايلات عنهم، أمر مهول وصعب، ولكن يمكن أن نقوم بمعالجات داخل الأسرة.

أما من الناحية الرسمية الحكومية، فإن المراحل المعرَّضة للتأثيرات هم المتوسطة والاعدادية، سابقا كان هنالك في السابق منهج أو درس اسمه (التربية الأسرية)، يمكن القيام بتفعيله اليوم ولكن بأسلوب حديث، وتوفير معلمين ومعلمات ومدرسين ومدرسات مختصين بالتربية الأسرية، ونعلم أولادنا كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هذه المناهج، وهذه عملية ليست صعبة وإنما سهلة لكن تحتاج إلى تحرّك لاسيما من المجتمع.

الشبه رسمية هي مؤسسات المجتمع المدني، ومن خلال مؤسستنا زرنا مديرية التربية، وعرفنا أن وزارة التربية لا تعارض البرامج المفيدة للطلبة، وقد قمت شخصيا بتوزيع أعداد من مجلة الحسيني الصغير على بعض المدارس الابتدائية، وكانت تجربة ناجحة، طبعا هذا الموضوع فيه أيضا حيثيات أخرى، فهو موضوع مهم بل هو حاليا خطير جدا، لأننا نلاحظ ما يحدث بسبب وسائل التواصل خاصة في المحاكم والأطفال الذين يصبحون ضحايا حالات الطلاق أو ضحايا العنف الأسري، هناك فتى عمره 15 سنة أراد أن يحرق عائلته لأنه تعرض للضرب والتعنيف، وهذا انعكاس لما يراه في وسائل التواصل كاليوتيوب أو التيك توك.

هناك نقطة مهمة يجب أن نشجع المدارس على وضع تطبيقات أو قنوات يوتيوب تجمع فيها نشاطات المدارس، فإذا قامت كل مدرسة على حدة بوضع قناة يوتيوب للأطفال ضمن المدرسة يتم بث قضايا تربوية وتعليمية وأخلاقية مفيدة للطلبة الصغار، وهناك برامج مسابقات يمكن تفعيلها كما كانت موجودة في السابق لأنها تشجع الأطفال على التعلّم والقراءة للمشاركة فيها، على أن يتم هذا التفعيل بطرق حديثة تناسب العصر.

- الحقوقي أحمد جويد المطيري:

بعد أن غزى الإنترنت العالم، وقد عززت جائحة كورونا من هذا الشيء، حيث أصبح واجبا على كل عائلة أن تستحضر وتستخدم الإنترنيت، قبل كورنا كانت نسبة 60 إلى 70% من العوائل تستخدم الإنترنيت، لكن بعد كورونا تغيّر الأمر، فتم استخدامه في التعليم.

نحن كشعب من الشعوب التي تحب التقليد، في أي قضية سواء كانت سلبية أو إيجابية، فمجرد أن يتم الترويج لها ويحدث تفاعل معها وخاصة المحتويات الهابطة يتم ترويجها للأسف أكثر، وهم أشخاص لا يمثلون قيمة في المجتمع، ويكون لهم ترويج أكثر وإهمال المواضيع الجيدة.

التكنولوجيا مرت بثلاث مراحل هي:

المرحلة الأولى: الغزو.

حيث وفرت الشركات الأجهزة بأسعار تنافسية، وأصبحت هناك شركات عالمية تتنافس في هذا المجال لطرح بضاعتها.

المرحلة الثانية: مرحلة التفاعل.

حيث تم التفاعل مع هذه الأجهزة، كما أتذكر بدأ الأمر مع أجهزة الاتصالات البسيط (فقط للاتصال)، أو إرسال رسائل نصية بسيطة، وكانت الحالات السلبية التي تؤثر على المجتمع قليلة جدا، وكانت مشاكلها قليلة في المجتمع وهي ضرورية ويحتاجها الناس، لغرض التواصل ومعرفة أخبار الآخرين.

المرحلة الثالثة: الإدمان.

وهو موضوع لا يخص الصغار فقط، فاليوم حتى الكبار هم مدمنون، حتى رب العائلة إذا نصح ابنه وطلب منه أن يترك الموبايل وينشغل بالدراسة، فإنه سوف يجد ابنه مشغولا مرة أخرى باللعب أو التواصل مع الآخرين، وبالتالي يحتاج هذا الشاب إلى أسوة وقدوة من العائلة.

الحقيقة هناك مشكلات كثيرة لا يمكن السيطرة عليها بوجود الإنترنيت، ومن أهم التحديات والمخاطر هي قضية التأثير على الصحة الجسدية، فالجسد يحتاج إلى ساعات نوم كافية لكي يتم فرز الهرمون المهم الذي يتم افرازه أثناء ساعات النوم، فإذا كان الطفل يستغرق ساعات طويلة من الليل يلعب وينشغل بالموبايل خاصة في أوقات العطل وينام ساعات كثيرة في النهار، هذا الأمر يسبب له مشاكل صحية.

وعندما نراجع الأطباء الآن يوصون بأن علاج الأطفال صحيا وجسديا يكمن بالعودة إلى الألعاب البدائية الأولى، اللعب بالتراب اللعب بالتشكيلات الطينية، كذلك رياضة الركض الساحة والميدان والألعاب الجسدية التي كنا نقوم بها سابقا هي العلاج الآن، فدع الطفل يقوم بهذه الألعاب الجسدية ولا تخف عليه من الأذى، فوائد ذلك يتخلى عن الجهاز اللوحي، والشيء الثاني يكون بدنيا أفضل ويفرغ طاقته ثم يحصل على ساعات نوم كافية ليلا.

بالنسبة للمعالجات، كنا سابقا نأخذ العلم من المدرسة والبيت، الآن الأجهزة اللوحية احتوت كل هذه الأشياء، فلا اهتمام بالمدرسة ولا تعلم في البيت ولا حتى من الشارع، فكل الأفكار أصبحت عن طريق هذا الجهاز، فيدخل الطفل والمراهق وحتى الكبار في العالم الافتراضي، ويبقى يعيش في داخله، فلديه أصدقاء ويمارس حياته في هذا العالم الافتراضي، وقد يكون قسم منهم أصدقاء وهميون.

هذه القضية تحتاج إلى تضافر الجهود من خلال الأسرة أولا، ثم الخطوة الثانية سحب أجهزة الموبايل من الأطفال، قد تحدث اعتراضات لكن مع الوقت يصبح الأمر واقعا عليهم القبول به، لكن للأسف بالنسبة لمدارس التعليم الحكومي أصبحت تنسى الجانب التربوي وأصبح التعليم نوعا من التلقين بغض النظر عن الجانب التربوي، سابقا كان المعلم لديه حرص على طلابه، مثل الأب يتابع طلابه في الشارع في السوق في أي مكان خارج المدرسة، يشعر بنفسه مسؤول عن الطالب، بالإضافة إلى أهمية أن تدرك الحكومة جيدا حجم هذه المخاطر، وتتخذ بعض الاجراءات الخاصة بحجب بعض المواقع، ونحن كمنظمات مجتمع مدني متخصصون بقضية الحقوق والحريات نساند هذا الموضوع ولا نعترض عليه ما دام الأمر يصب في مصلحة الأطفال.

- الشيخ مرتضى معاش:

في رأيي الخاص أن التكنولوجيا في قضية التربية والأطفال كلّها سيئة، ليس فيها شيئا إيجابيا، بدليل أن الناس اليوم أقل سعادة من أي وقت مضى، بل هنالك شعور متزايد بالتعاسة، صحيح نحن نلاحظ أن الناس مرفهين أكثر، ويحصلون على معلومات أكثر، ولكن أصبحوا أكثر خوفا وقلقا من المستقبل، لذلك فإن التكنولوجيا سيئة فأدى هذا إلى غياب الحالة الفطرية عند الإنسان، ومن ثم غياب النمو الفطري عند الطفل، فحين ينمو الطفل، لا ينمو جسده أو قلبه أو رئته أو عظامه أو رأسه فقط، وإنما ينمو أيضا تطوره النفسي والعقلي، فيحتاج إلى حالة من الفطرية الطبيعية في حياته حتى ينمو بصورة صحيحة، لكن تأتي التكنولوجيا وتمنع الطفل من النمو الفطري الطبيعي، فينمو مشوّها.

لقد لاحظنا أن بعض الآباء والأمهات يتركون الطفل وهو في عمر ستة إلى سبع شهور، يعطونه الموبايل من باب الضحك أو المزاح، فنلاحظ أن الطفل يتفاعل مع الموبايل، وإذا منعوا عنه الموبايل يبدأ بالبكاء، هم يتصورون بأنهم يلعبون ويمزحون مع الطفل، ولا يعرفون خطورة هذا الأمر، ثم بعد سنة بمجرد أن يبكي الطفل يعطوه الموبايل لكي يكف عن البكاء، وهكذا يصبح الطفل متعلقا ومدمنا على الموبايل.

في السابق كان البعض بسبب انشغالهم يعطون مخدّرا للطفل، لكي ينام أما الآن فقد أصبح جهاز الموبايل هو البديل عن المخدّر حيث يعطونه للطفل حتى يسكت، فاصبح الطفل يعيش في بعد واحد، أما الطفل الفطري فإنه يتناغم مع الطبيعة.

فالطفل في الزمن التكنولوجي الذي يصاب بالتوحّد، قد يكون توحّدا اكتسابيا وليس بايولوجيا، فالتوحد البايولوجي هو وراثي، أما التوحد الاكتسابي فيحدث من خلال عملية التغذية بالمعلومات، دون أن يكون هناك تفاعل بهذه المعلومات مع الآخرين، فيبقى الطفل في إطار البعد الواحد للحياة، ويبقى فكره مشوشا مضطربا، ولا يستطيع أن يحدد ولا أن يفكر ولا يتعلم ولا يتفاعل.

لذلك يظهر التوحد بكثرة في الأجيال الجديدة، وهذا يعني أن التكنولوجيا تستلب الطفل، وتجعل هويته ضبابية هلامية سائلة، لأنه لا ينمو نموا نفسيا ومعنويا وعقليا صحيحا، كما يسمونه في الغرب (الزومبي)، وهو الشخص الميت الحي، فهو حي ماديا ولكنه ميت روحيا ونفسيا، وهذا تعبير عن الإنسان الجديد في زمن التكنولوجيا.

من النقاط الأخرى التي لاحظناها أن تربية الأطفال تتجه نحو الفردية والانعزال الاجتماعي، حيث لا يحتاج إلى التفاعل الاجتماعي، ولا للعلاقات الاجتماعية، ولا للتعامل مع الناس، فتنشأ عنده حالة من الفردية الشديدة، فبعض الأطفال يكرهون الناس ولا يرغب اللقاء بهم، وهذا ليس محصورا بالأطفال فقط، وإنما حتى بالكبار ايضا.

وهذا يتضح من التعليقات التي نقرأها في مواقع التواصل، ومنها إن الناس لا فائدة فيهم، وهذا يدل على أن التكنولوجيا جعلت الفرد أو الطفل يعيش في حالة فردية متضخمة لديه، بل أصبح يكره المجتمع ويحقد عليه، وبالنتيجة فإن التكنولوجيا جعلته منكفئا على نفسه ومستقلا بذاته دون أن يحتاج للتفاعل مع الآخرين، وهذا كله يؤدي إلى زيادة الاكتئاب عند الإنسان.

إن أحد أسباب الكآبة هو اختلال العلاقات الاجتماعية، لذلك نلاحظ أنه أصبح الوباء الأكبر في العالم وخصوصا عند الأطفال.

كذلك سيطرة التعلم الإلكتروني وغياب الخبرة الاجتماعية، فالتعلم والتربية لا تتحقق من خلال الإلكترونيات، بل تأتي بالخبرة، ولا يكفي أن يكون ذكيا إلكترونيا، فالعلم يؤكد على التجارب الاجتماعية، وقد ذكر الباحث أن التعليم في جائحة كورونا كان أسوأ تعليم، والآن هناك تقارير تصدرها مؤسسات دولية عن الآثار التي سوف تخلفها ثلاث سنوات من كورونا على التعليم فتؤثر على 30 سنة من عمر الإنسان في المستقبل.

صعود أجيال جديدة من خلال فجوة كبيرة حدثت خلال ثلاث سنوات، والآن الكل يعاني من ذلك، بحسب التقارير التي اطلعتُ عليها شخصيا، وفي كل الدول هناك فجوة تشبه الفجوة الاقتصادية التي يعيش العالم تداعياتها لحد الآن، فالأزمة الاقتصادية كما يقول العلماء سببها اختلال سلاسل الامداد في زمن كورونا، كذلك حدثت نفس الفجوة في التعليم بسب غياب الخبرة الاجتماعية.

كذلك تؤدي التكنولوجيا بالإنسان إلى التعرض لعمليات غسيل مخ ممنهج، وتضع الإنسان (الطفل) في حالة استعباد، الآن ربما لا يمكن أن نلاحظ النتائج، لكن بعد عشر سنوات سوف تحدث كارثة اجتماعية هائلة، فالأطفال ليس من جيلنا، والآن بدأت تظهر عند بعض الناس، لكنها عند الطفل تكون أكثر من الشخص البالغ، فقد يتأثر الشخص البالغ لكن يوجد لديه جوانب معينة، بسبب التغذية السابقة.

في علم الاجتماع المعاصر يقسمون الأجيال بسبب الرقمنة، جيل X وجيل الملينيوم، وجيل z، وجيل ألفا الذي هو الأخير حيث نشأ عمق الهاتف الذكي، فهذا سوف يؤدي إلى عمليات غسيل مخ كبيرة وصناعة العيش في عالم الأوهام من دون وجود حدود لهذا العالم، مثل هؤلاء الذين يلعبون الألعاب الإلكترونية، فهم يُصابون بتداخل الحدود بين عالم الوجود الواقعي وعالم الاغتراب الوهمي، وحتى شبكات التواصل الاجتماعي تختزل الواقع في ابعاد افتراضية، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى ظهور أمراض نفسية.

من النقاط الأخرى أيضا فقدان المهارات الطبيعية عند الإنسان، حيث يحتاج الإنسان إلى مهارات حياتية لكي يواصل العيش، كالعمل والتعامل والتفاعل مع الآخرين، كل هذه الأمور تحتاج إلى مهارات طبيعية لمواصلة الحياة، ويمكن تدمير كل هذه المهارات الطبيعية حينما يعيش الطفل في العالم الإلكتروني.

وهناك نقطة أخرى كنتيجة للنقاط أعلاه وهي غياب التقدير الذاتي للفرد، وكراهية الذات، حيث يكره الإنسان نفسه ويكره وجوده، وهذه حالة موجودة اليوم، حيث نلاحظ الأطفال والشباب يعاتبون الآباء والأمهات حيث يقول الطفل لهما لماذا أتيتما بي إلى الدنيا؟، لأنه يشعر بأنه ضعيف في شبكات التواصل ولا يوجد تقدير له، ولا إعجابات، ولا يوجد لديه الشيء الموجود عند الآخرين بسبب مقارنته لنفسه مع الآخرين فيكره نفسه.

وهكذا لا يكتفي بالحقد على المجتمع بل يغيب عنده التقدير الذاتي فيصبح شخصية ضعيفة جدا وهشّة. وتتضخم عنده نقاط الضعف، فلا يستطيع أن يرى نقاط القوة عنده وإنما يرى نقاط الضعف فقط، فتكبر هذه النقاط وتسيطر عليه.

أيضا التكنولوجيا تعلِّم الإنسان على الكسل، والسطحية وعدم القدرة على استخراج مكنونات ذاته، فالإنسان عنده إمكانيات ذاتية عميقة، من حيث العقل والعاطفة والمشاعر والقدرات والمواهب الذاتية، فالتكنولوجيا تشل تفكير ومواهب الطفل وحتى الكبير في السن.

لكن التأثير على الطفل يكون أكبر، فتشل كل قدراته وعدم استخراج مكنوناته الذاتية، فيصبح كسولا وسطحيا، وقد يصبح غبيا أيضا، ويجب أن لا نتصور أن الإنسان الذي يمتلك التكنولوجيا سوف يكون إنسانا ذكيا، كلا، الذكاء غير مرتبط بالمعلومات، وإنما مرتبط بالتفكير والقدرة على إجادة هذا التفكير العميق، والقدرة على إظهار المشاعر.

فالتكنولوجيا تحطم المشاعر، أو تغلقها، وتجعل الإنسان متبلّدا عاطفيا، وهكذا بالنتيجة سوف يغرق في عالم التفاهة، وهكذا نلاحظ كلما توغل الإنسان في عالم التكنولوجيا وعالم التواصل الإلكتروني أكثر، تحدث عنده تفاهة أكثر، وتطبيق (التيك توك) مثال كبير عن مقدار التفاهة.

خطورة فقدان اليقظة الذهنية

بالنسبة للمعالجات:

أتصوّر إن أهم نقطة اليقظة الذهنية للمخاطر التي من الممكن أن تواجهها الأسرة، والقدرة على فهم المخاطر، فأنا حتى الآن من خلال تجاربي ألاحظ أن كثيرا من الناس ليسوا منتبهين إلى المخاطر الهائلة، حيث يجلس الجميع معا ولكن جميعهم ممسكين بأجهزة الموبايل ويتصفحون المواقع، فكل فرد يعيش في عالمه الخاص، وخصوصا الأطفال.

لكن على كل إنسان أن تكون لديه يقظة دائما، حتى في طبيعة ونوعية ما يأكله من طعام، أو في طبيعة حركته وتنقّله من مكان إلى آخر، فعندما يعبر الشارع يجب أن تكون عنده يقظة ذهنية، وهي القدرة على التنبّؤ والإدراك للمخاطر التي تحدث في المستقبل.

لذا لابد من العودة إلى التربية الفطرية، وهناك كتاب لجان جاك روسو بعنوان (العودة إلى الطبيعة)، قبل 400 مئة سنة دعا للعودة إلى الطبيعة، ودعا الإنسان للتخلي عن العالم الصناعي، فيجب العودة إلى التربية الطبيعية للإنسان، من خلال عزله عن عالم التكنولوجيا، إلى أن يصبح عمره 15 سنة ويصبح لديه وعيا كاملا بنفسه، في ذلك الوقت يمكن أن يدخل في عالم التكنولوجيا، قبل هذا العمر عليه أن لا يدخل هذا العالم ويبقى يتربى تربية فطرية طبيعية صحيحة، هذا هو الصحيح بالنسبة للتربية، إلى أن يصبح الشاب قادرا على أن يفكر ويقرر وأن يتخذ قراره في الحياة.

كذلك هناك الحاجة الى التربية المعنوية، وليس التربية المادية فحسب، فاليوم التربية المادية قائمة على الاستهلاك المتضخم، والاستهلاك هو أحد أسباب سيطرة التكنولوجيا علينا، التي تسوق للرفاه الزائف المتمحض بالمتعة واللذة. وإذا سيطرت الأشياء علينا فهذا يعني العبودية للتكنولوجيا، لذا يجب أن نعلم الطفل على المعنويات، وعلى تقديره لذاته، فإذا علمناه الجانب المعنوي فإننا علمناه تقديره لنفسه وذاته، وقدرته على استخراج مكنوناته الذاتية.

- الدكتور حميد مسلم الطرفي:

يوماً بعد آخر تتعقد العملية التربوية الأسرية أمام الآباء والأمهات بدخول طرف ثالث يعبث بالأولويات والتوقيتات والممنوعات التي يحرص الوالدان على اتباعها وبرمجتها في ذهن ولدهما الصغير لكي يربيانه وفق المنهج القويم.

هذا الطرف العابث هو شبكة النت العالمية وعبر أي من أدواتها سواءً كان (الموبايل) أو (اللابتوب) أو (التاب) أو الشاشة المتصلة بها - أعني شبكة النت العالمية.

المشكلة الحقيقية والتحدي الأكبر هو في تداخل ثلاث حلقات مع بعضها وصعوبة تفكيك هذا التداخل:

الاولى: إن هذا العابث عابث ومنظِّم وضارٌّ ونافع ومخرِّبٌ وبانٍ في آن فإبعاد هذه الأجهزة عن أطفالهم يعني كمن لا يُعلّم ابنه القراءة والكتابة فالحاسوب الآلي اليوم هو لغة العصر وبوابة المعرفة والف باء التعليم تبدأ منه وتنتهي إليه.

الحلقة الثانية: إن عالم الحاسوب بكل أشكاله متلازم مع شبكة النت العالمية فلا تستغني الاسرة عن الاتصال بها ابداً فكل الأعمال باتت اليوم مقيدة بالنت، فالاتصال بالتاكسي وحجز مواعيد المعالجة والتسوق وحجز الفنادق ومعرفة الاخبار والانواء الجوية ودلالة الطرق وحجز الطيران والاتصال بالأهل، كل تلك المهام الحياتية اليومية لا تتحقق من دون الاتصال بالشبكة، حتى باتت تلك الأجهزة من دون نت كأنها أحجار خاوية لا تفي بالكثير الكثير من أغراضها.

الحلقة الثالثة: وأعظم من ذلك كله أن هذه الشبكة ليس لها قيود عالمية أو أطر أخلاقية أو بروتوكول أممي يضع الحدود والقيود، النت مساحة مفتوحة على كل ما خطر وما لم يخطر ببال بشر وفي كل اتجاه، جنس، عنف، اديان، معارف، فن، رياضة، وغير ذلك الكثير والوصول الى هذا كله كان بضغطة زر ثم تحول الى اللمس والان على بصمة العين أو بصمة الصوت فتنتقل من حيث ترغب او لا ترغب بقصد او بدون قصد في ذلك العالم المتلاطم من الاضداد من القبح والجمال والعفة والاباحية والغث والسمين، كل هذا يقع بيد طفلك وانت تريد إلهائه بشيء من افلام الكارتون أو نشيد من اناشيد الاطفال مثلاً واذا بمقطع اعلاني تلقائي أو لمس غير مقصود ينقل عيون هذا الطفل البريء الى عالم آخر لا يلائم عمره وادراكه.

من هنا تعقدت مهمة التربية فالتحدي التكنولوجي اليوم هو إنه الشريك الأكبر في التربية، لكنه شريك يحتاج الى مربٍّ نبهٍ فطِن، لا تغمض عينه ولا تأخذه الغفلة ببيت حذراً ويصبح يقظاً يمنع عبث هذا الشريك ويحوله الى معين في عملية التربية.

الحكومات اليوم مطالبة بان تخفف من هذا العبء على الاباء والامهات عبر الطرق التالية:

الأول: حجب المواقع التي تسيء الى اطفالنا بل وكبارنا بأساليب تكنولوجية متقدمة.

الثاني: السعي وبجدية الى تأسيس شبكات نت وطنية ما أمكن ذلك.

الثالث: تشجيع المواقع المحلية ذات المحتوى التربوي ودعمها مادياً ومعنوياً.

- الأستاذ عدنان الصالحي:

هذا الموضوع مهم إلى درجة كبيرة، فنحن دائما نعمل على أن نكون مصدّ لأفعال الغرب، المجتمع العربي أو العراقي لم يخلق هذه الأشياء، نحن نتعامل بردود الأفعال، التكنولوجيا وُجدت ضمن مقاساتهم وضوابطهم وأفكارهم التي يؤمنون بها، هذا كان في فترة من الفترات ربما كان عندهم جزء من الالتزام الاجتماعي، أما اليوم فإن المثلية وقضية الانحلال، لذا باعتقادي أن هذا وسواه من المخاطر مفروض عليك واستيراده واقع، لكن ما هو دورنا المجتمعي الفعلي؟، وماذا يوجد عندنا، وقد كان المجتمع في السبعينات أو في الثمانينات يمارس القراءة وكما يُقال القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، اليوم هناك نسب عالية جدا لا تقرأ، هنا أريد أن أذهب إلى جانب آخر، هل الطفل وجد متنفسا آخر (غير التكنولوجيا)، مثلا نحن اليوم من منا أنشأ مكتبة في بيته، وأقصد مكتبة ترفيهية وليس مكتبة تضم الكتب الصعبة، أو أختار قنوات فضائية جيدة، وهي بنسب عالية جيدة، قياسا للموبايل، فهناك رقابة على الفضائيات، فأحيانا يترك الأطفال الموبايلات ويجلسون عند شاشة التلفزيون ويتابعون ما يظهر في الشاشة، خاصة إذا كان المعروض فلما مشوقا وفيه أحداث جيدة.

لذلك حين تتحدث عن الخطورة لابد من أن توجِد البديل، طبعا من المهم جدا أن نوفر البديل الآن، لأن الاستمرار بالضغط على الأطفال من دون بدائل يشكل خطرا عليهم، هل نترك الطفل لثقافة الشوارع، أحيانا يخرج الطفل للشارع ولكن أحيانا نسمع بعض الكلمات التي اكتسبوها من الشارع نخجل منها، لأن المجتمع وصل إلى مرحلة لا يوجد شيء اسمه (عيب)، وإذا منعته وأجبرته على البقاء في البيت، بماذا يقضي وقته وكيف يملأ فراغه وهو طفل، في السابق كانت لدينا مساحات أوسع للحركة مثل الذهاب إلى الأنهار والسباحة فيها، أما الآن فلا توجد أنهار حتى المساحات الخضراء تم القضاء عليها بسبب التوسع السكني العشوائي، مع غياب الأماكن الترفيهية. وأكبر مكان ترفيهي في مدينتنا هو شارع السناتر وقبل يومين حدثت فيه حادثة سيئة.

إذن بالنتيجة أن تذهب بالطفل؟، لذلك لابد أن تخلق للطفل لونا خاصا به، يجعله يترك ما يأتيه من الغرب، فهل هناك إمكانية لدينا أن نبادر كمجتمع عراقي لملأ فراغ الأطفال، هناك برامج خجولة تُقام في العطل الصيفية لكنها ضعيفة، أما الدول فليست لها رؤية لمعالجة هذا الموضوع، مشكلة الأطفال والشباب تبدأ مع بداية العطلة الصيفية، لأنهم أثناء الدوام لديهم فراغ قليل، أما أثناء العطلة فلديه فراغ زمني كبير أين يقضيه، وأمامه الإنترنيت، فأنت بين خوفك من ثقافة الشارع ومن ثقافة الإنترنيت تحتاج إلى برامج، أما أثناء التعليم فأنت مطمئن إلى أين يذهب أبناؤك، في دول العالم هناك برامج ونشاطات للأطفال، أما عندنا فأما أن تكون مقابل أموال أو ربما تتبع لبرنامج سياسي وهذه طامة كبرى.

وللإجابة عن السؤالين أعتقد أن نكون نحن أصحاب الشأن، وليس ردة الفعل، لأنه سابقا كانت الأفكار تُطرح من هنا بحيث نلاحظ قسم من الأطفال يمتلك بلاغة اللغة أو بالشعر أو بالآراء، أما الآن فنحن ندفع بأطفالنا نحو التكنولوجيا أو نفكر كيف يصبح طبيبا، وهذا باعتقادي ليس نجاحا بل هو فشل، بالنتيجة نحن نحتاج إلى إنسان ناجح وليس إلى طبيب ناجح أو مهندس ناجح، قد يكون تاجرا ناجحا أو إنسانا بسيطا لكنه إنسان ناجح.

فإذا فهمنا أن الإنسان هو القيمة العليا وكيف نحافظ عليه، وكيف نعطيه برنامجا يجد فيه نفسه وليس يتابع التفاهات التي تُعرَض في الإنترنيت، وهكذا تكون شخصيته أقوى.

- الباحث حسن كاظم السباعي:

مبدئيا؛ لا فرق بين عصر التكنولوجيا والذكاء الصناعي وبين العصر الحجري، فالأخلاق هي ذاتها والتربية السلوكية أيضا هي نفسها. وبعبارة أخرى فإن المبادئ لم تتبدل وإنما الآليات والوسائل قد تطورت أو اختلفت.

وعليه فلابد من العودة والتركيز على القيم والمباني الأخلاقية والتربوية لأصالتها فالصدق هو الصدق والاحترام والعطف لا يختص بعصر دون آخر.

من هنا فإن التطور التكنلوجي في واقع الأمر هو صورة محدَّثة لظاهرة النزهات الجماعية والسهرات الليلة ومجالس السمر الشبابية في زمن سابق إلا أنها ترجمت إلى لغة تكنولوجية ليس إلا.

وعليه فلا يمكن محاربة تلك الظواهر إلا بتهذيبها واختيار المفيد منها وصقلها لئلا تتلوث بالثقافات الدخيلة السيئة واستثمار الخبرات الثقافية الجيدة.

ولقد قامت بعض الدول أو الشركات أو المراكز الفنية بإنتاج بدائل تكنولوجية تتحدى تلك السيطرة، إلا أن كل ما في الأمر يحتاج إلى السعي لزيادة وعي الجيل القادم وتحصينهم بالدين واحتوائهم باللطف والمحاورة عن طريق مصاحبتهم ومناقشة الأفكار معهم لمعرفة الحلال من الحرام والصواب والخطأ لخلق حصانة ذاتية.

من هنا فإن التركيز لابد أن يكون حول كيفية إيجاد هذا الوعي والتفاهم.

ولابد من الانتباه إلى هذه الحقيقة؛ أن الجيل الناشئ هو المسيطر في هذا المجال؛ ذلك لأنه الأكثر خبرة وعلما في التكنولوجيا الحديثة ولغتها وذلك على خلاف تربية الماضين حينما كان الآباء هم المسيطرون على أبنائهم يرغبون فيهم حينا ويرهبونهم حينا آخر او يرشدونهم بالتحاور والنقاش.

فاليوم في الزمن الراهن الآباء هم المعرضون للعقوبة من قبل الأبناء إن خالفوا ميولهم؛ وأذكر تجربة حصلت مع أحد المعارف حيث إنه لسبب خلاف بسيط مع ولده الصغير فقد كل الملفات والأرقام والمعلومات الخاصة به من هاتفه اليدوي ومن جهاز حاسوبه؛ بسبب اختراق قد قام به ولده على جهازيه ليعلن انزعاجه من أبيه.

وعليه فإنَّ الصداقة بين الأبناء والآباء لابد أن تبدأ من مرحلة مبكرة وأن تستمر في جميع مراحل الحياة، ذلك لأن طفل اليوم يولد وهو ذو خبرة تكنولوجية أكثر من والديه حتى ولو سمحوا له بالشاشات نصف ساعة يوميا!

- الباحث باسم حسين الزيدي:

إن المقصود التربية في زمن محتوى التكنولوجيا، لأن التكنولوجيا بحر واسع، فهي تعني الزمن والجهد، وهي إجراء عمليات القلب المفتوح بأدوات الروبوت كما يجري اليوم، التكنولوجيا هي صعود الإنسان إلى القمر، ولكن بما أننا نتحدث عن التربية، فمعنى ذلك أننا نتكلم عن المحتوى التكنولوجي وهذا هو الذي يهمنا.

المحتوى التكنولوجي يتضمن ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: إن سبب هذه الأزمة هو التنافس في سوق المحتوى التكنولوجي، هذا التنافس الجشع بين كبريات الشركات العالمية، التنافس غير المدروس هو سبب الأزمات التي نعاني منها، فهذه الأزمة لا يجب أن يقول أحدهم أنها مسلطة على العراق أو الشرق الأوسط، بل هي شملت الجميع وأعطي بعض الأمثلة.

أول هاتف ذكي نزل إلى العالم من انتاج شركة أبل، فالأجهزة التكنولوجية أساسا هي أجهزة ذكية وتتعامل مع المحتوى، وبدونها فهو جهاز لا يسمن ولا يُغْني، فحين نزلت التطبيقات (أب ستوري) الشركة التي نافستها هي شركة جوجل، لأنها أنزلت الأندرويد مقبل أي أو أس، وبدأت تدعم الشركات حتى تلحق بالعدد الهائل من الأب ستوري الذي تجاوز عشرات الملايين، خلال الفترة التي كانت فيها محتكرة لسوق الأجهزة، فجعلت هذه التطبيقات مفتوحة المصدر وهذا يعني أنها غير خاضعة لأية رقابة، أخلاقية أو تكنولوجية، أو فايروس وغيره، إلى أن بعد فترة من الزمن بدأت تضع شروطا معينة.

المثال الثاني، على مستوى محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، فحينما احتكر الفيس بوك مواقع التواصل الاجتماعي، كالمنافسة بين تويتر وتلغرام وسواه، لاحظنا أن هذه المنافسة دفعت بتيك توك حتى ينافسها، وتيك توك فتح النشر من دون ضوابط، ولاحظنا أن كل الأولاد يشاهدون محتويات الانتحار والدعارة والمحتوى الجنسي وغيره، لذلك بعض الدول أغلقت هذا التطبيق، حتى بعض الدول الديمقراطية منعته، وقسم آخر قامت بتحجيمه، بسبب المشاكل التي عانوا منها، والآن نعاني من نفس المشكلة بسبب هذا التنافس في مستوى الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت الشركات تتنافس فيما بينها وأنتم تعلمون بمخاطر الذكاء الاصطناعي وعدم سيطرة البشر عليه.

النقطة الثانية: نحن نعاني من ضعف ثقافة المحتوى التكنولوجي، فإذا أردنا أن نبحث عن الأكثر تأثيرا في المجتمع، ومن هو المؤثر في المجتمع، هناك جهات عديدة تؤثر في المجتمع، ولكن دعنا نأخذ نموذج المؤسسة الدينية التي يمكن أن تؤثر عن طريق خطيب أو عن طريق فتوى أو عن طريق شعيرة، فهي الأكثر تأثيرا في المجتمع.

لما تأتي وتعرض عليهم ثقافة المحتوى التكنولوجي سوف تلاحظ وجود ضمور وضعف في هذا الجانب، وأعطي مثالا مشجعا لهذه الحالة، وهي من ضمن مشاهداتي أيضا، أحد الخطباء قدم خطبة بعد صلاة العيد، مدتها ثلاث أو أربع دقائق، فاجأ الجمهور بخطبة مغايرة للمعهود تحدث فيها عن الرقابة الأبوية، فسأل الحاضرين هذا السؤال وقال لهم: أنتم جميعا لديكم أولاد وجميعهم يمتلكون موبايلات، وأنا أقول لكم من الخطأ أن تمنعوهم، فهذا المنع هو جزء من الجهل، فنحن نحتاجهم واعين ومثقفين وعارفين بالتكنولوجيا، ثم قال لهم: ما هو الحل وأنتم جميعا تعانون من هذه المشكلة؟

لاحظتُ أن جميع الحاضرين لهذه المحاضرة تابعوها بإنصات تام واهتمام شديد، فقال لهم إن الحل موجود وسهل التطبيق، مجرد أن تتعبون أنفسكم على اليوتيوب، أو تسألون ذا الاختصاص هو يوصلكم إلى الحل، فالحل يكمن في تطبيق بسيط، بكذا ميغا بايت، أي تقوم بتنزيل 10 أو 15 ميغا بايت على موبايلك وعلى موبايل ابنك، ويحتاج الأمر أن تعرف إيميل ابنك وأنت تضع له البرنامج وتقرا قائمة الشروط ثم تختار المحددات التي ستحجّم بها موبايل ابنك، وهكذا انتهت المسألة، وبعدها أنت سوف تتحكم بابنك، فأنت أعطيته الدعم المطلوب لكن في نفس الوقت سوف تتعامل معه بثقافتك الأبوية الحنونة وتنتهي المشكلة.

لاحظت أن الجميع تفاعل مع الخطيب، وهذه محاضرة لمدة 3 إلى 4 دقائق اثرت في الجمهور عددهم 100 شخص تقريبا، فكيف لو كان خطيبا أو رجل دين معروف مثلا؟، فيمكن أن يظهر دقائق على قناة يوتيوب أو أية قناة أخرى يمكن أن يتكلم عن محتوى أو تطبيق معين ينصح به الآباء مثلا.

النقطة الثالثة: إن المحتوى التكنولوجي خلق فجوة بين جيلين، وهذه المشكلة لم نقم بمعالجتها، لا علماء الاجتماع، ولا الأشخاص المؤثرين ولا الأكاديميين، لم نلاحظ أو نعثر على دراسات مهمة تطرقت لهذا الموضوع، أي تناقش ما السبب أن المحتوى التكنلوجي خلق فجوة بين جيلين لماذا؟، وما هي الأسباب.

هنا سوف أقدم لكم مثالا أنا عايشته، في أحدى مدارس البنات، كانت هناك سيارة (خط توصيل) تنتظر بنات طالبات، وهناك بنات خارج السيارة، إحدى البنات كتبت عبارة بي تي أس، فالبنت التي كانت مقابلها ضحكت، هذه الأحرف ظلّت في بالي وبقيت أتساءل ما هي وماذا تعني؟، عندما عدت إلى البيت سألت بعضهم وبحثت في الموبايل فعرفت أن هذه فرقة كورية معروفة ولها تأثير لا حدود له يستهدف جيل الأولاد والبنات، وهي فرقة غنائية، هناك ترجمة تشرح تاريخ هذه الفرقة وأهدافها، وهي التحرر، الانتحار، المثلية، التخلص من قيود الوالدين وغيرها الكثير، أفكارهم غريبة جدا، وأبناء هذا الجيل أي أبناؤنا يعرفون هذه الأمور لكننا كآباء لا نعرفها، فما سبب هذه الفجوة بين الجيلين؟

إن مواقع التواصل الاجتماعي يوجد لديهم خوارزمية معقدة جدا، فيها عدة شروط من ضمنها ماذا تشاهد خلال هذه الفترة، وما هي ميولك وأهواءك، فالمقطع الذي تشاهده على يوتيوب خلال ثوان، سوف يعرفون هل أعجبك الفيديو أم لا حتى لو أنك لم تشاهده كلّه، فمن خلال هذه الخوارزميات سوف يبثون سيل من الإعلانات يوجهونها لسين من الناس حسب هذا التوجه، وهذه الخوارزمية تشمل حتى الأقارب والأصدقاء، فهذه واحدة من المخاطر التي لم نتنبّه لها أي نحن غافلين عنها، بالإضافة إلى الأمور الأخرى مثل كثرة حوادث الانتحار وكثرة حالات الطلاق والتحرر وحب التملك وغير ذلك.

- الدكتور علاء الحسيني:

إن هذه الورقة طرحت موضوعا حيويا في حقيقة الأمر، وهو المحتوى الثقافي الاجتماعي الترفيهي، في الوسط التكنولوجي كما أستطيع تسميته، فهو هذا الخطر الذي نتكلم عنه، فلما يكون هناك محتوى اجتماعي أو مجتمعي أو ترفيهي الذي يضم الألعاب وسواها، في وسط تكنولوجي، التي توفرها لنا وسائل التكنولوجيا الحديثة، وسائط الاتصال، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

إن دور الوسيط التكنولوجي في الأسرة عموما، ليس بجديد، فمنذ دخول التلفزيون في ستينات وسبعينات القرن الماضي بدأت تظهر تغيرات في أنماط السلوك الإنساني، والثقافة بدأت تتغير بشكل تدريجي، الثقافة الاجتماعية والأسرية والتربوية، لذلك ربما الأجيال التي سبقتنا بجيلين أو ثلاثة ما كانوا يتقبلون الأفكار التي نتقبلها نحن اليوم، ولا يتقبلون نمط الحياة الذي نعيشه نحن، صغرت العوائل والأسر كثيرا الآن، وصغرت المنازل كثيرا، لكن المشاكل أصبحت كبيرة جدا، والتحديات لا طاقة لنا في مواجهتها.

نحن كما أتصور جزء من المشكلة، كأفراد وكذلك كأُسر، مواجهة المشاكل التي من الممكن أن تأتي لنا من الوسيط التكنولوجي، والمحتوى الذي يُطرح على أبنائنا وأسرنا، آثاره واضحة للعيان، وقد اشار الأخوة المشاركون في النقاش عن ذلك، ومنها مثلا عدد حالات الطلاق التي نلاحظها الآن، في إحصائية أخيرة في الشهر الماضي فقط، 7000 آلاف حالة طلاق، وهذا يعني أن عددا كبيرا من الأولاد سوف يعانون من مشاكل لها بداية وليس لها نهاية نتيجة انفصال الأب عن الأم.

أضف إلى ذلك هذه المحتويات التي يتعامل معها أبناؤنا اليوم، فكل هذه الأمور تحديات أمامنا وعلينا أن نفكر كيف نواجهها، وكيف يمكن أن نحولها إلى فرص تساعدنا في قضية التربية، على أقل تقدير انتشال الأبناء من المشاكل التي تواجههم.

تطرق الأخوة إلى حلول كثيرة من الممكن أن نستفيد منها، لكن أتصور إنه لابد من وجود رغبة حقيقية، سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الاجتماعي والمستوى الأسري، لإيجاد الحلول المناسبة، لا يمكن للفرد أو الأسرة بمفردها أن تواجه هذه المخاطر، ولا يمكن للمجتمع أن يواجه هذه المعضلة من دون أن تتضافر الجهود، بما في ذلك جهود الجهات الرسمية.

اليوم نحن لدينا أحزابا إسلامية كثيرة في العراق، لها شعارات رنانة وكثير من الدعاية الفارغة في حقيقة الأمر، فكل حزب من هذه الأحزاب يمتلك ثلاث فضائيات أو أكثر، وهناك عشرات القنوات على اليوتيوب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكننا نلاحظ المحتوى الذي يقدمونه، فهو أما محتوى سياسي بائس، من خلال مناكفات وتحليلات، أو محتوى اجتماعي بعيد كل البعد عن الواقعية، وإنما هو تصوير لانجازات وهمية في مخيّلات هذه الأحزاب وقادتها، وتصدير لهذه القيادات. لذلك هم أيضا جزء من المشكلة في حقيقة الأمر.

هناك حاجة إلى السينما مثلا، وأقصد السينما الهادفة التي يمكن أن توفر لنا جزء من الحل، وكيف يمكن أن نوظف المسرح، ولا نقصد المسرح الهابط، وإنما من خلال المحتويات التي يمكن أن تُقدم مسرحيا بعروض هادفة، لا بأس أن تكون قصيرة وهادفة، تربوية، تعليمية، وقد تطرق الأخوة إلى البرامج التي كانت تبث في فترة الثمانينات التي كانت أغلبها برامج حقيقية تربوية وتعليمية وتثقيفية ولذلك ممكن أن تستنهض الجيل وتخلق نوعا من التنافس الإيجابي بين أفراد ذلك الجيل، أما اليوم فإن الأجيال لا يأخذون ثقافتهم إلا من وسائط التواصل الاجتماعي، وأغلب محتوياتها غير جيدة ولا تقدم تربية حقيقية.

أو يأخذ الأولاد ثقافتهم من الآباء والأمهات، الحقيقة التي لا تُنكر أن أغلب الآباء والأمهات اليوم، أصلا هم بحاجة إلى تربية، ويحتاجون إلى من يعيدهم إلى السكة الحقيقية، لأنه توجد لديهم انحرافات سلوكية أو فكرية، والأمثلة في ذلك كثيرة، وإذا أردنا أن نخوض في هذه التفاصيل ربما لا نصل إلى نهاية المشاكل التي نعاني منها.

بالتالي لابد من تضافر كل الجهود، المؤسسة الدينية مع المؤسسة الإعلامية، الدور الأكبر والمسؤولية الأكبر تُلقى على هاتين المؤسستين، لأنهما لهما اليد الطولى في انتشال المجتمع مما يعانيه في الوقت الحاضر، كذلك العودة إلى الفطرة السليمة التي أشار لها جناب الشيخ مرتضى معاش، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة الجيل اليوم الذي أصبح هو الأب والأم أن يصلوا إلى الفطرة السليمة، ولكن هؤلاء هم خرجوا عن الفطرة السليمة لأنهم عاصروا مشاكل حقيقية، وعاصروا الطفرة من الوسائل البدائية، إلى الوسائل التكنولوجية التي دخلت من دون استئذان وعلى حين غرة إلى العراق في فترة وجيزة جدا من عام 2005 إلى 2015، كل هذه التكنولوجيا دخلت في هذا الزمن الوجيز دفعة واحدة، إلى المجتمع العراقي الذي كان يجهل أكثر هذه التفاصيل لذلك ظهرت لدينا الكثير من المشاكل والتحديات.

- الشاب محمد علي الطالقاني:

سوف أنقل مشاهد وحالات رأيتها بنفسي، حين أقوم بجولات تصوير، هناك مدارس أهلية معروفة في كربلاء، يوجد فيها طلاب أطفال أغلبهم مصابون بمرض التوحّد، على عكس ما كنا عليه في طفولتنا، قبل أيام جاء أحد الطلاب الأطفال إلى المدرسة وكان الموبايل في يده، كانت هناك مرشدة قالت إن دخول الموبايل غير مسموح به، أهل الطالب الطفل قالوا إن طفلهم لا يستطيع أن يترك الموبايل، وإذا تريدون نعطيكم مبلغا من المال مقابل ترك الموبايل عند طفلنا، إلى هذه الدرجة وصلت الأمور.

النقطة الأخرى إن الإنترنيت لا يمكن لأحد أن يتركه، أعرف بعض الناس يمنعهم أهلهم عن النت، ويحددون لهم وقتا مثلا الساعة العاشرة اسحب منك الجهاز أو أقوم بإطفاء النت، أعرف شخصا آخر أبوه يفصل عنه النت في الليل، فيبحث عن أي طريقة لكي يتصل بجهاز الراوتر مرة أخرى، فسألته لماذا تقوم بهذا الفعل، فأجاب لديه فراغ كبير وأبي يمنعني من العمل فأبقى في الليل سهرانا وأقضي وقتي بالنت.

هناك نسبة خطأ يتحمله الأهل وأخرى يتحملها الأبناء، ولكن حتى لو سحبت الموبايل من ابنك في الساعة العاشرة أو 11 أو 12، فهذا الفعل لا يمنعه من استغلال فترة الصباح في غياب الأب عن البيت، لذلك الأفضل أن يقوم الآباء بتربية الأولاد جيدا حتى على ساعات النوم، هناك ساعات نوم مهمة يحتاجها الأطفال لغرض دورات النمو الصحيح، لكن هناك أطفال لا يفارقون الموبايل بدءا من الساعة 11 مساءً وصعودا، فمختصر الموضوع لو أن هذا الجيل يتثقف بشكل صحيح فهو أفضل الحلول، لاسيما أن أي شيء ممنوع يكون مرغوبا، ليس للأطفال فقط وإنما حتى كبار العمر حين تأمره بعد فعل هذا الشيء، سوف تكون لديه رغبة بالممنوع.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2023
http://shrsc.com

اضف تعليق